من وسائل اكتساب الأخلاق علو الهمة والصبر
الوصف
من وسائل اكتساب الأخلاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الْقُرْآن الْكَرِيم يُوصِي وَيُفْرَض ضَرُورَة التَّذْكِير ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالصَّبْر ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[الذاريات : 55] ، ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [آل عِمْرَان : 110]
وإنَّ التَّذْكِير وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهي عَنْ الْمُنْكَرِ وَالتَّوَاصِي مِنْ أَسَالِيبِ التَّرْبِيَة الْإِسْلَامِيَّة الَّتِي بَدَت خِلَال أَحَادِيث الْمُرَبِّي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي طَرِيقَةِ التَّوَاصِي دَعْوَةَ كُلِّ مُسْلِمٍ إلَى أَنْ يَكُونَ مربيًا يعْلَم أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، وَالتَّذْكِير بِالْخَيْر وَالْحَقّ ، وَالدَّعْوَة إلَيْهِمَا ، وَالتَّنْبِيه إلَى الشَّرِّ وَالضَّرَر وَالنَّهْيُ عَنْهُمَا ، هُوَ مِنْ صَمِيم الْأَسَالِيب التربوية الْإِسْلَامِيَّة ولِتَنْمِيَة الْقَيِّم وَالْأَخْلَاق الْإِسْلَامِيَّة فِي نَفْسِ الْمُسْلِم ، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَخِيهِ : ارْكَب إلَى هَذَا الْوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ، فَرَجَعَ فَقَالَ : ((رأيته يَأْمُر بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ))(1) رواه مسلم (2474).
من وسائل اكتساب الأخلاق علو الهمة
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ ، و يكرَهُ سَفْسافَها
صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1800
حَثَّ الإسلامُ على التَحَلِّي بالصِّفاتِ الطَّيِّبةِ والجَميلةِ، التي يُحِبُّها اللهُ سُبحانَه ويَرضاها نَبيُّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ اللهَ كَريمٌ"، والكَريمُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تَعالى الحُسنَى، وهو يَتضَمَّنُ صِفَةَ الكَرَمُ على ما يليقُ بكَمالِ اللهِ تعالى، "يُحِبُّ الكُرَماءَ"، أي: يُحِبُّ عِبادَه الكُرَماءَ الذين يُكرِمونَ غَيرَهم مِن عِبادِ اللهِ، وهو سبحانَه "جَوَادٌ"، أي: كَثيرُ الجُودِ والعَطاءِ لِعِبادِه؛ فيَفيضُ عليهم بالرَّحَماتِ والغُفرانِ والأرزاقِ، وغَيرِ ذلك مِنَ النِّعَمِ التي لا تُعَدُّ، "يُحِبُّ الجَوَدةَ"، وهم أصحابُ البَذلِ والإنفاقِ، والذين يَتَّصِفونَ بسُهولةِ البَذلِ والإنفاقِ وتَجَنُّبِ ما لا يُحمَدُ مِنَ الأخلاقِ، وفي ذلك دَلالةٌ على أنَّ اللهَ سَيُثيبُ أصحابَ تلك الصِّفاتِ بأفضَلَ مِمَّا أنفَقوا وبَذَلوه لِغَيرِهم. ويُحِبُّ سُبحانَه وتعالَى "معاليَ الأخلاقِ" وهي الأخلاقُ عاليةُ الشَّأنِ، ورَفيعةُ القَدْرِ التي تَرفَعَ قَدْرَ صاحِبِها، مِثلَ:
عِزَّةِ الإيمانِ وقُوَّتِه، والامتِثالِ للهِ والرَّسولِ، "ويَكرَهُ سَفْسافَها" مِنَ الأخلاقِ رَديئَها وحَقيرَها، والتَّوافِهَ التي تُنبئُ عن الخِسَّةِ والدَّناءةِ، وعَدَمِ المُروءةِ، مِثلَ: الإصرارِ على الذُّنوبِ، والغِيبةِ والنَّميمةِ، وتَدَخُّلِ المَرءِ فيما لا يَعنِيه. ولَيسَتْ صِفاتُ اللهِ كصِفاتِ الخَلقِ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ليس كَمِثلِه شَيءٌ، وهو السَّميعُ البَصيرُ، ولكِنْ مَن تَخلَّقَ بِشَيءٍ مِن صِفاتِه ومَعاني أسمائِه الحُسْنى، كانَ مَحبوبًا له مُقَرَّبًا عِندَه. وفي الحَديثِ: إثباتُ صِفةِ المَحبَّةِ للهِ تَعالى، وبَيانُ بَعضِ أسبابِ نَيلِ مَحبَّتِه سُبحانَه. وفيه: الإرشادُ إلى الحِرصِ على فِعلِ مَعالي الأُمورِ في الدِّينِ والحَياةِ، والابتِعادِ عنِ الأفعالِ الدَّنيئةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي ((الفوائد)) : فَمَن عَلَتْ هِمَّتُهُ ، وخشعت نَفْسِه ؛ اتَّصَف بكلِّ خَلَق جَمِيل ، وَمَن دَنَت هِمَّتُه ، وطغت نَفْسِه ؛ اتَّصَف بكلِّ خَلَق رَذِيل .
وَقَال أيضًا : فالنفوس الشَّرِيفَةُ لَا تَرْضَى مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِأَعْلَاهَا ، وَأَفْضَلُهَا ، وَأَحْمَدُهَا عَاقِبَة ، وَالنُّفُوس الدَّنِيئَة تَحُوم حَوْل الدَّنَاءَات ، وَتَقَعُ عَلَيْهَا كَمَا يَقَعُ الذُّبَابُ عَلَى الْأَقْذَار ؛ فالنفوس الْعَلِيَّة لَا تَرْضَى بِالظُّلْم ، وَلَا بِالْفَوَاحِش ، وَلَا بِالسَّرِقَةِ وَلَا بِالْخِيَانَة ؛ لِأَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَجَلّ ، وَالنُّفُوس المهينة الْحَقِيرَة الْخَسِيسَة بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ .
فَإِذَا حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى اكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ ، وَأَلْزَم نَفْسِهِ عَلَى التَّخَلُّق بِالْمَحَاسِن ، وَلَمْ يَرْضَ مِن مَنْقَبَة إلَّا بِأَعْلَاهَا ، وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ فَضِيلَة إلَّا وَطَلَب الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا ، نَال مَكَارِم الأخلاق).
من وسائل اكتساب الأخلاق الصبر
قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَه لِلَّه : (حسن الْخَلْق يَقُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ ، لَا يُتَصَوَّرُ قِيَام سَاقَه إلَّا عَلَيْهَا : الصَّبْر ، وَالْعِفَّة ، والشَّجَاعَة ، والعدل)
وَقَال : (وهو عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : صَبَر بِاَللَّه ، وَصَبَر لِلَّه ، وَصَبَر مَعَ اللَّهِ .
فَالْأَوَّل : صَبَر الِاسْتِعَانَةُ بِهِ ، وَرُؤْيَتِه أَنَّهُ هُوَ المصبر ، وأنَّ صَبَر الْعَبْد بِرَبِّه لَا بِنَفْسِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ ﴾[النحل : 127]
وَالثَّانِي : الصَّبْرُ لِلَّهِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى الصَّبْرِ مَحَبَّةِ اللَّهِ ، وَإِرَادَة وَجْهَه ، وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ لَا لِإِظْهَار قُوّةِ النّفْسِ ، والاستحماد إلَى الْخَلْقِ .
الثَّالِث : الصَّبْر مَعَ اللَّهِ ، وَهُوَ دَوَرَانُ الْعَبْدِ مَعَ مُرَادِ اللَّهِ الدِّينِيّ مِنْه ، وَمَع أَحْكَامِه الدِّينِيَّة . صابرًا نَفْسِه مَعَهَا ، سائرًا بِسَيْرِهَا . . أَيْنَ مَا تَوَجَّهَتْ ركائبها)