سُئِل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ
الوصف
عَنْ عبدِ اللهِ بنِ شَقِيقٍ، قالَ: قُلتُ لأَبِي ذرٍّ: لو رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لَسَأَلْتُهُ، فقالَ: عن أيِّ شيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قالَ: كُنْتُ أسْأَلُهُ هلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قالَ أبو ذَرٍّ: قدْ سَأَلْتُ، فقالَ: رَأَيْتُ نُورًا.
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 178 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
التخريج : أخرجه مسلم (178)
كانت رحلَةُ الإسراءِ والمِعراجِ مِنَ المُعجِزاتِ التي أيَّدَ بها اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأكرَمَه اللهُ وأصعَدَه مع جِبريلَ إلى السَّمواتِ العُلى، حتَّى أراه الجَنَّةَ، وأراه من آياتِه الكُبرى.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ شَقيقٍ أنَّه قالَ لأبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضيَ اللهُ عنه: لو رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لسَألتُه عن أشياءَ كُنتُ أُريدُ أن أعلَمَها، فقالَ أبو ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه: عن أيِّ شَيءٍ كنتَ تَسألُهُ؟ قال عبدُ الله: كنتُ أسألُه: هل رأيتَ ربَّكَ؟ فأخبَرَه أبو ذَرٍّ أنَّه سألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِثل ما كانَ يُريدُ أن يَسألَه عبدُ اللهِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «رأيْتُ نورًا»، أي: ما رأيتُ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ إلا النُّورَ، ونُورُ اللهِ تَعالَى نُورٌ يَليقُ به وبِذاتِه، ليس له وَصفٌ أو تأويلٌ.
وقيلَ: إنَّ النُّورَ الذي رآه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما هو إلَّا الحِجابُ الذي يكونُ بين اللهِ وبينَ عِبادِه، كما عندَ مُسلمٍ من حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «حِجابُه النُّورُ، لو كَشَفَه لأحَرقتْ سُبُحاتُ وجْهِه ما انتَهى إليه بَصَرُه من خَلقِه»، إذا ما كَشَفَ عن ذاتِه العَظيمةِ لأحرَقَ ما وصَلَ إلى بَصرِ المَولى عزَّ وجلَّ ما وقَعَ عليه من خَلقِه، وليس لِبَصرِه جَلَّ شأنُه نِهايةٌ ولا مَدًى؛ فإنَّ ذلك يَستحيلُ عليه جَلَّ في عُلاه، ويَعني بِسُبُحاتِ وجهِه: بَهاءه وعظَمتَه وجَلالَه ونُورَه.
وقدِ اختُلِفَ بينَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم ومَن بَعدَهم في رُؤيةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لربِّه؛ فمِنهم مَن أثبَتَها، ومنهم مَن نَفَاها، وقيلَ: إنَّ الأغلَبَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد رأى ربَّه، إلَّا أنَّهمُ اختَلفوا في كيفيَّةِ الرُّؤيةِ؛ فمِنهم مَن ذهَبَ إلى أنَّ الرُّؤيا قد وقَعَت بالقَلبِ، ومنهم مَن ذهَبَ إلى أنَّها قد وقَعَت بالعَينِ.
قال الشيخ شمس الدين ابن القيم :
سمعت شيخ الإسلام أحمد بن تيمية يقول في قوله صلى الله عليه وسلم "نور أنى أراه" معناه:
كان ثم نور، وحال دون رؤيته نور فأنى أراه؟ قال: ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح هل رأيت ربك؟ فقال "رأيت نوراً".
وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب [الرد له] إجماع الصحابة، على أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس من ذلك، وشيخنا يقول: ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه، وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين، حيث قال: إنه رآه، لم يقل: بعيني رأسه.
والله تعالي اعلي واعلم