الله جل جلاله

الله جل جلاله
100 0

الوصف

الله جل جلاله

إنَّ أوَّلَ ما يَجِبُ على الإنسانِ مَعرِفتُه هو أن يعرِفَ اللهَ عزَّ وجلَّ. قال اللهُ تعالى:﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19].  قال البُخاريُّ في (بابِ العِلمِ قَبْلَ القَولِ والعَمَلِ) من صحيحِه: (فبدأَ بالعِلْمِ)(1). وقال ابنُ القيِّمِ مُعَلِّقًا على هذه الآيةِ الكريمةِ: (فالعِلمُ بوحدانيَّتِه تعالى وأنَّه لا إلهَ إلَّا هو: مطلوبٌ لذاتِه، وإن كان لا يُكتفى به وَحْدَه، بل لا بُدَّ معه من عبادتِه وَحْدَه لا شريكَ له، فهما أمرانِ مَطلوبان لأنفُسِهما؛ أن يُعرَفَ الرَّبُّ تعالى بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه وأحكامِه، وأن يُعبَدَ بموجِبِها ومقتضاها، فكما أنَّ عِبادتَه مَطلوبةٌ مرادةٌ لذاتِها، فكذلك العِلمُ به ومَعرِفتُه)(2). 

وعن عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (( من مات وهو يَعلَمُ أنَّه لا إله إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ))(3). في هذا الحديثِ يوضِّحُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَضْلَ العِلمِ بكَلِمةِ التَّوحيدِ، والموتِ على ذلك، وضِدُّ العِلمِ: الجَهلُ، وهو الذي أوقع أهلَ الضَّلالِ مِن هذه الأُمَّةِ في مُخالفةِ معناها، وتَرْكِ العَمَلِ بمُقتضاها(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((صحيح البخاري)) (1/24).

(2) يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) (1/178).

(3) أخرجه مسلم (26).

(4) يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 56).

إنَّ وجودَ الله عزَّ وجلَّ أمرٌ فِطْريٌّ، مغروزٌ في النَّفسِ البَشَريَّةِ. - قال اللهُ تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف:  172] 

أي: اذكُرْ -يا مُحمَّدُ- حين استخرجَ ربُّك ذريَّةَ بني آدَمَ؛ بَعضَهم من ظهورِ بَعضٍ، وأخرَجَ جميعَ ذلك من صُلبِ آدَمَ؛ ليأخُذَ عليهم العَهدَ فقرَّرَهم على توحيدِه، فقال لهم: ألسْتُ أنا خالِقَكم ومَعبُودَكم؟ فقالوا: قد أقرَرْنا بذلك(1) . 

وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَمَّا خلَقَ اللهُ آدمَ مَسحَ ظَهرَه، فسقَطَ مِن ظَهرِه كُلُّ نَسَمةٍ هو خالِقُها مِن ذُرِّيَّتِه إلى يومِ القيامةِ))(2). وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يقولُ اللهُ تعالى لأهوَنِ أهلِ النَّارِ عَذابًا يومَ القيامةِ: لو أنَّ لك ما في الأرضِ مِن شَيءٍ، أكنتَ تَفتَدِي به؟ فيقولُ: نعم، فيقولُ: أردتُ منك أهوَنَ من هذا وأنت في صُلبِ آدَمَ: ألَّا تُشرِكَ بي شيئًا، فأبيتَ إلَّا أن تُشرِكَ بي))(3). 

وقال ابنُ عاشور في تفسيرِ قَولِه تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ [الرعد: 20]: (المرادُ به الإيمانُ الذي أخذه اللهُ على الخَلْقِ، المشارُ إليه بقَولِه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ...، فذلك عَهْدُهم ربَّهم. وأيضًا بقَولِه: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ [يس: 60، 61]، وذلك عَهدُ اللهِ لهم بأن يعبُدوه ولا يعبُدوا غيره، فحصل العهدُ باعتبارِ إضافتِه إلى مفعولِه وإلى فاعِلِه. وذلك أمرٌ أودَعَه اللهُ في فِطرةِ البَشَرِ، فنشأ عليه أصلُهم وتقَلَّده ذُرِّيَّتُه، واستمَرَّ اعترافُهم لله بأنَّه خالقُهم. 

وذلك من آثارِ عَهدِ اللهِ. وطرأ عليهم بعد ذلك تحريفُ عَهدِهم، فأخذوا يتناسَون وتشتَبِهُ الأمورُ على بعضِهم، فطرأ عليهم الإشراكُ لتفريطِهم النَّظَرَ في دلائِلِ التوحيدِ، ولأنَّه بذلك العَهدِ قد أودع اللهُ في فطرةِ العُقولِ السَّليمةِ دلائِلَ الوحدانيَّةِ لِمن تأمَّل وأسلم للدَّليل،ِ ولكِنَّ المُشرِكين أعرضوا وكابروا ذلك العهدَ القائِمَ في الفطرةِ؛ فلا جَرَمَ أنْ كان الإشراكُ إبطالًا للعَهدِ ونقضًا له؛ ولذلك عُطِفت جملةُ: ﴿ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ على جملةِ ﴿يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾)(4). - وقال اللهُ سُبحانَه: 

﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [إبراهيم: 10].

قال ابنُ كثيرٍ: (هذا يحتَمِلُ شيئينِ: أحدُهما: أفي وجودِه شَكٌّ؟! فإنَّ الفِطَرَ شاهدةٌ بوُجودِه، ومجبولةٌ على الإقرارِ به؛ فإنَّ الاعترافَ به ضروريٌّ في الفِطَرِ السَّليمةِ... والمعنى الثَّاني: في قَولِهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ، أي: أفي إلهيَّتِه وتفرُّدِه بوُجوبِ العِبادةِ له شكٌّ؟! وهو الخالِقُ لجَميعِ الموجوداتِ، ولا يستحِقُّ العبادةَ إلَّا هو وَحدَه لا شَريكَ له؛ فإنَّ غالبَ الأمَم كانت مُقِرَّةً بالصَّانِعِ، ولكِنْ تعبُدُ معه غيرَه من الوَسائطِ التي يظنُّونها تنفَعُهم أو تقَرِّبُهم مِن اللهِ زُلفى)(5).

 وعن عِياضٍ المُجاشِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال فيما يرويه عن ربِّه : ((إنِّي خَلقتُ عبادي حُنَفاءَ كُلَّهم، وإنَّهم أتَتْهم الشيَّاطينُ فاجتالَتْهم عن دينِهم، وحَرَّمَت عليهم ما أحلَلْتُ لهم، وأمرَتْهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلْطانًا))(6).

 وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما من مولودٍ إلَّا يُولَدُ على الفِطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه، كما تُنتَجُ البهيمةُ بهَيمةً جمعاءَ، هل تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ؟))  ثمَّ يقولُ أبو هُريرةَ: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: 30](7).

ولمْ يُعرَفْ التَّظاهُرُ بإنكارِ وُجودِ اللهِ تَعالى في تاريخِ الأُممِ إلَّا عن شِرذِمةٍ قليلةٍ مُكابِرةٍ

قال ابنُ تيميَّةَ مُفَنِّدًا قَولَ من اشتَرَط النَّظَر والاستِدلالَ بالأقيِسَةِ العَقليَّةِ؛ لحُصولِ العِلمِ بالصَّانِعِ: (ليس هذا قولَ أحدٍ من سَلَفِ الأمَّة ولا أئمَّتِها، ولا قاله أحدٌ من الأنبياءِ والمرسَلينَ، ولا هو قَولُ كُلِّ المتكلِّمين، ولا غالِبِهم، بل هذا قولٌ مُحدَثٌ في الإسلامِ، ابتدعه متكَلِّمو المعتَزِلةِ، ونحوُهم من المتكلِّمين الذين اتَّفَق سَلَفُ الأُمَّة وأئمَّتُها على ذَمِّهم، وقد نازعهم في ذلك طوائِفُ من المتكَلِّمين من المُرجِئة، والشِّيعةِ، وغَيرِهم، وقالوا: بل الإقرارُ بالصَّانِعِ فِطْريٌّ ضَروريٌّ بَديهيٌّ، لا يجِبُ أن يتوقَّفَ على النَّظَرِ والاستِدلالِ، بل قد يقولون: يمتَنِعُ أن يحصُلَ بالقياسِ والنَّظَرِ، وهذا قولُ جماهيِر الفُقَهاءِ والصُّوفيَّةِ وأهلِ الحديثِ والعامَّةِ وغَيرِهم، بل قد اتَّفق سلَفُ الأُمَّة وأئمَّتُها على أنَّ مَعرِفةَ اللهِ والإقرارَ به لا تَقِفُ على هذه الطُّرُقِ التي يذكُرُها أهلُ طريقةِ النَّظَرِ)(8) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  ينظر: ((التفسير المحرر - سورة الأعراف)) (ص: 681).

(2)  أخرجه الترمذي (3076) واللفظ له، والبزار (8892) ، والحاكم (3257). صححه الترمذي، وابن منده في ((الرد على الجهمية)) (79)، والحاكم على شرط مسلم.

(3)  أخرجه البخاري (6557) ، ومسلم (2805).

(4)  يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/ 125).

(5)  يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/482).

(6)  أخرجه مسلم (2865).

(7)  أخرجه البخاري (4775) ومسلم (2658).

(8) يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) (4/570).

أفي الله شك من عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت القلوب عن إدراك كنهه، ودلّت الفطر والأدلة كلها على امتناع مثله وشبهه، أشرقت لنور وجهه الظلمات، واستنارت له الأرض والسماوات، وصلحت عليه جميع المخلوقات، لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يحفظ  القسط، ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.  

أفي الله شك من عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ، من خَلَقَ فَسَوَّى وَقدَّرَ فَهَدَى ، وَأَعْطَى كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ،من أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَمَاتَ وَأَحْيَا ، وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى ، وَأَوْجَدَ وَأَبْلَى ، وَرَفَعَ وَخَفَضَ ، وَأَعَزَّ وَأَذَلَّ، وَأَعْطَى وَمَنَعَ ، وَرَفَعَ وَوَضَعَ .  مَنْ شَقَّ البِحَارَ ، وَأَجْرَى الأَنْهَارَ ، وَكَوَّرَ النَّهَارَ عَلَى اللَّيلِ وَاللَّيلَ عَلَى النَّهَارِ ، مَنْ هَدَى مِنْ ضَلالَةٍ ، وَأَنْقَذَ مِنْ جَهَالَةٍ ، وَأَنَارَ الأَبْصَارَ ، وَأَحْيَا الضَّمَائِرَ وَالأَفْكَارَ.

أفي الله شك فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُخْرِجَ الحَيِّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجَ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ، فَالِقَ الإِصْبَاحِ ، وَجَاعِلَ اللَّيلِ سَكَناً ، وَالشَّمْسَ والقَمَرَ حُسْبَاناً ، مَنْ جَعَلَ لَنَا النُّجُومَ لِنَهْتَدِيَ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالبَحْرِ.  

أفي الله شك مَنْ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ بِنُجُومِهَا وَأَبْرَاجِهَا ، وَالأَرْضُ بِسُهُولِـــهَا وَفِجَاجِهَا ، وَالبِحَارُ بِأَحْيَائِهَا وَأَمْوَاجِهَا ، وَالجِبَالُ بِقِمَمِهَا وَأَوْتَادِهَا ، وَالأَشْجَارُ بِفُرُوعِهَا وَثِمَارِهَا ، وَالسِّبَاعُ فِي فَلَوَاتِهَا ، وَالطَّيْرُ فِي وَكَنَاتِهَا ، مَنْ تُسَبِّحُ لَهُ الذَّرَّاتُ عَلَى صِغَرِهَا ، وَالمَجَرَّاتُ عَلَى كِبَرِهَـا ، مَنْ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وان مِنْ شَيءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه. مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ العُلَى  ،  مَنْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، مَنْ يَعْلَمُ السِّرَ وَأَخْفَى، مَنْ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ، مَنْ مَعَ عِبَادِهِ يَسْمَعُ وَيَرَى ، مَنْ أَعْطَى كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.

هو الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لا ند له ولا ولد ، أحقُّ من ذكر، وأحقُّ من شكر، وأحق من عبد، وأحق من حُمد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استرحم،  وأكرم من قُصد، وأعزّ من التُجئ إليه، وأكفى من تُوكل عليه، أرحم بعبده من الوالدة بولدها. 

هو الملك لا شريك له والفرد فلا ند له كل شيء هالك إلا وجهه لن يُطاع إلا بإذنه ولن يُعصى إلا بعلمه، يُطاع فيُشكر، ويُعصى فيغفر،  أقرب شهيد وأجل حفيظ، وأوفي بالعهود، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عند علانية، والغيب لديه مكشوف، وكل أحد إليه ملهوف. 

اللَّهُمَّ جَلَّتْ قُدْرَتُكَ، وَتَعَالَتْ حِكْمَتُكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ.

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد