أقسام المياه الجزء الثاني
الوصف
المطلب الأوَّل: الماءُ المُختلِط أو المتغَيِّر بنجاسةٍ
الفرع الأوَّل: إذا تغيَّرَ الماءُ بالنَّجاسةِ إذا لاقى الماءَ نجاسةٌ، فغيَّرَت أحَدَ أوصافِه: مِن طَعمٍ، أو لونٍ، أو رائحةٍ؛ فهو نجِسٌ، قليلًا كان أو كثيرًا. الدليل من الإجماع: نقل الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ، وابنُ المُنذِر، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ قدامة، وابن تيميَّة
الفرع الثاني: الماءُ الكثيرُ إذا لاقى نجاسة إذا كان الماء كثيرًا مُستبحِرًا، فإنَّه لا ينجُسُ إلَّا بالتغيُّرِ.
الدليلُ مِنَ الإجماع: نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ جريرٍ، وابنُ المُنذِر، وابنُ حزم، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ رشد، وشمسُ الدينِ ابنُ قدامة، وابنُ تيميَّة
الفرع الثَّالث: الماءُ الجاري إذا وقعت فيه نجاسةٌ إذا كان الماءُ جاريًا ووقعَتْ فيه نجاسةٌ، فلا ينجُسُ إلَّا بالتغيُّرِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، وهو قولٌ قديمٌ للشَّافعيِّ، اختاره بعضُ الشافعيَّة، وهو أنصُّ الرِّوايتينِ عن أحمد، واختاره ابنُ قُدامة، وابنُ تيميَّة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" لا يَبولنَّ أحدُكم في الماء الدَّائِمِ الذي لا يَجري ثُمَّ يَغتسِل فيه "
وجه الدَّلالة: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَّقَ بين الدَّائمِ والجاري في نَهيِه عن الاغتسالِ والبَولِ فيه؛ فمفهومُ الحديثِ أنَّ الماءَ الجاريَ ليس منهيًّا عن البَولِ فيه، ولا عن الاغتسالِ منه
ثانيًا: أنَّ الأصلَ طهارةُ الماءِ الجاري، وإذا لم تغيِّرْه النجاسةُ فلا وَجهَ لنجاسَتِه؛ فإنَّه طاهِرٌ بيقينٍ، وليس في نجاسَتِه نصٌّ ولا قياسٌ، فوجب البقاءُ على طهارَتِه مع بقاءِ صِفاتِه
ثالثًا: أنَّ النَّجاسةَ في الماءِ الجاري منفصلةٌ عمَّا أمامها وما خَلفَها من الجَرَيات حكمًا، وإن اتَّصلَت بهما حسًّا؛ إذ كل جَريةٍ طالبةٌ لِما أمامها، هاربةٌ عمَّا خَلفَها، فلا تلحَقُ النَّجاسةُ بالماءِ الجاري حسًّا، فلا يُلحَقُ به نجاسَتُها حُكمًا
رابعا: أنَّ الماءَ الجاريَ بمجموعِه أكثَرُ مِنَ القلَّتين، إضافةً إلى قوَّةِ جَرَيانه، واختصاصُ كلِّ جَريةٍ بنفسها فلا تستَقِرُّ معها النَّجاسةُ الفرع الرابع: الماءُ القليلُ إذا لاقى نجاسةً فلم يتغيَّرْ الماءُ القليلُ إذا لاقى نجاسةً فلم يتغيَّر لا يَنجُسُ، وهو مذهَبُ المالكيَّة، والظاهريَّة، وبه قالَت طائفةٌ من السَّلف، وهو روايةٌ عن أحمد، اختارها عددٌ مِنَ الحنابلة، واختارَه ابنُ المُنذِر، والغزالي، وغيرُ واحدٍ مِنَ الشافعيَّة، وابنُ تيميَّة، والشَّوكانيُّ، والصَّنعاني، وابنُ باز، وابنُ عثيمين الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]
وجه الدَّلالة: أنَّ الماءَ إذا لم تتغيَّرْ أوصافُه؛ فهو على طَهوريَّتِه، قليلًا كان أو كثيرًا، فلا يزولُ عنه هذا الوَصفُ إلَّا ببُرهانٍ
2- قولُه تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [ النساء: 43]
وجه الدَّلالة: أنَّ هذا الماءَ الذي وقعَت فيه النَّجاسةُ ولم تغيِّرْه؛ باقٍ على صِفَتِه التي خلقه اللهُ تعالى عليها طَعمًا ولونًا ورائحةً، فلا يُعدَلُ عنه إلى التيمُّمِ.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: " إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ "
وجه الدَّلالة: أنَّ هذا عمومٌ لا يخرُجُ منه شيءٌ إلَّا إذا تغيَّرَ بنجاسةٍ، فإنَّه يكون حينئذٍ نجِسًا بإجماعِ أهلِ العِلمِ ثالثًا: أنَّ علَّةَ النَّجاسةِ الخَبَثُ، فمتى وُجِدَ الخبَثُ في شيءٍ فهو نَجِسٌ، ومتى لم يُوجَدْ فليس بنجِسٍ، فالحُكمُ يدورُ مع علَّتِه وجودًا وعَدَمًا، ولا يُحكَمُ بالنَّجاسةِ إلَّا إذا وُجِدَت عينُها، فإذا بقِيَ الماءُ طَهورًا على ما هو عليه؛ فإنَّه لا يجوزُ سَلبُه وَصفَه الأصليَّ بمجرَّدِ توهُّمِ التنجُّسِ لمجرَّدِ المُلاقاةِ
الفرع الخامس: المتغيِّرُ بمجاورةِ النَّجاسةِ إذا تغيَّرت رائحةُ الماءِ بمُجاورةِ النَّجاسةِ، فإنَّه لا يَسلُبُه وصفَ الطُّهوريَّة ؛ نصَّ على هذا الجمهور: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة ؛ وحُكِيَ عدمُ الخِلافِ على ذلك ؛ وذلك لأنَّ ما تغيَّرَ بمجاورةٍ لا عن مخالطةٍ، لا يؤثِّرُ في الماء؛ لعَدَمِ انتقالِ عَينِ النَّجاسةِ إليه
الفرع السادس: تطهيرُ الماءِ المُتنجِّسِ متى زال تغيُّرُ الماءِ النَّجِسِ بأيِّ وسيلةٍ كانت، ولو بالطُّرُقِ الحديثةِ، فقد طهُرَ، ولا فَرقَ في ذلك كلِّه بين القَليلِ والكثيرِ، وهذا مَذهَبُ مالكٍ في الجملة، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ والشَّوكانيِّ، وابنِ باز، وابنِ عثيمين، وبه صدر قرارُ المَجمَعِ الفقهيِّ التَّابِعِ لرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الحُكمَ إذا ثبت لعلةٍ، زال بزوالِها، والحُكمُ بنجاسةِ الماءِ يدورُ على معناه وجودًا وعَدَمًا، فحيث وُجِدَت النَّجاسةُ ثبَتَ حُكمُها، وحيث زالت بأيِّ طريقةٍ كانت، فإنَّه يزولُ حُكمُها
ثانيًا: أنَّ العَينَ النَّجِسةَ إذا استحالت صِفاتُها بطَل عنها اسمُها الذي به ورد ذلك الحُكمُ فيه, وانتقل إلى اسمٍ آخَرَ واردٍ على حلالٍ طاهرٍ, فليس هو ذلك النَّجِسَ ولا الحرامَ, بل قد صار شيئًا آخر ذا حُكمٍ آخرَ، فالأحكامُ للأسماءِ، والأسماءُ تابعةٌ للصِّفاتِ