مقدمة السيرة النبوية (عودوا إلي خير الهدي)
الوصف
الحمدلله رَبِّ الْعَالَمِينَ ،وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِلْعَالَمِين نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلِيٌّ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَعَلِيٌّ كُلٍّ مِنْ صَارَ عَلَيَّ نَهْجِه وَاقْتُفِي أَثَرُه إلَيّ يَوْمِ الدِّينِ وَبَعْدَ .
لَا يُخْفِي عَلَيَّ أَيْ مُسْلِمٍ مَا للسيرة النَّبَوِيَّةُ مِنْ أَهَمِّيَّةِ كُبْرِي فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِين ،أَنَّهَا الْيَنْبُوع الصَّافِي لِطَالِبِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ، وَالدَّلِيل الْهَادِي لِبَاب الصَّلَاح والدستور الشَّامِل لباغي كُلِّ خَيْرٍ ،وَصَلَاح وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ يُدْرِكُون مَا للسيرة النَّبَوِيَّةُ مِنْ آثَارِ عَظِيمَةٌ فِي تَنْشِئَة اَلِنَشِئ ،وَتَنْشِئَة جِيل صَالِح يُحْمَل رِسَالَة الْإِسْلَامِ ،فَمِنْ ثَمَّ كَانُوا يَتَدَارَسُون السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ فَهَذَا زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ ابْنُ الْحُسَيْنِ ابْنُ عَلَى أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ يَقُول : كُنَّا نَعْلَمُ مَغَازِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقْصُود بِالْمَغَازِي الْآثَار السَّيْر الْغَزَوَات . فَيَقُول : كُنَّا نَعْلَمُ مَا غَازِيّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ كَمَا نَعْلَمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ .
اُنْظُرُوا يَعْلَمُون السِّيرَة كَمَا يَعْلَمُونَ الْقُرْآنِ وَقَالَ : سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَانَ أَبِي يُعَلِّمُنَا مَغَازِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ : يَا بُنَيَّ هَذِه مَآثِر آبَائِكُم فَلَا تضيعوا ذَكَرَهَا وَقَالَ الْإِمَامُ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ عَلِمَ الْمَغَازِي عَلِم الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ أَصْلُ الْأُصُولِ أَصْلُ الْأُصُولِ فِي الْعِلْمِ وَأَنْفَع الْعُلُوم النَّظَرِ فِي سَيْرِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِه قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ ﴾ [الانعام:90] كَانَت الْمَدْرَسَة النَّبَوِيَّة مَدْرَسَة تَخْرُجْ مِنْهَا أَمْثَل وَأَفْضَل النَّمَاذِج الْبَشَرِيَّة عَلَى الْإِطْلَاقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَهُمْ صَحَابَةٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مِنْهُمْ الْخَلِيفَة الرّاشِد وَالْقَائِد المحنك والبطل المغوار والسياسي الدَّاهِيَة وَالْعَبْقَرِيّ الْمُلْهَم وَالْعَالِم الْعَامِل وَالْفَقِيه الْبَارِع وَالْعَاقِل الْحَازِم وَالْحَكِيم الَّذِي تَتَفَجَّر مِنْ قَلْبِهِ يَنَابِيع الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالتَّاجِر الَّذِي يَحُول رِمَال الصَّحْرَاء ذَهَبًا وزارع والصانع الَلاَذَيِنِ يُرِيدَان فِي الْعَمَلِ عُبَادَة والكادح الَّذِي يَرَى فِي الِاحْتِطَاب عَمَلًا شَرِيفًا يَرْتَفِعُ بِهِ عَنْ التكافف والتسول وَالْغَنِيّ الشَّاكِرِ الَّذِي يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَخْلَفًا فِي هَذَا الْمَالَ وَيُنْفِقُه فِي الْخَيْرِ وَالْمَصَالِح الْعَامَّة وَالْفَقِيرُ الصَّابِرُ الَّذِي يَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَالَة فَهَذِه السِّيرَة لَهَا مَزَايَا عَدِيدَة مِنهَا .
- إنَّها أصَحُّ سِيرَةٍ لِتَارِيخِ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أوْ عَظِيمٍ مُصْلحٍ فَقَدْ وَصَلَتْ إلَيْنَا سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ أصَحِّ الطُّرُقِ العِلْمِيَّةِ وأقْوَاهَا ثُبُوتًا، مِمَّا لا يَتْرُكُ مَجَالًا لِلشَّكِّ في وَقَائِعِهَا البَارِزَةِ وأحْدَاثِهَا الكُبْرَى.
- إنَّ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- واضِحَةٌ كُلَّ الوُضُوحِ في جَمِيعِ مَرَاحِلِهَا، مُنْذُ زَوَاجِ أبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بِأُمِّهِ آمِنَةَ إلَى وَفَاتِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَحْنُ نَعْرِفُ الشَّيْءَ الكَثِيرَ عَنْ وِلَادَتِهِ، وطُفُولَتِهِ، وشَبَابِهِ، ومَكْسَبِهِ قَبْلَ النُبوَّةِ، ورَحَلَاتِهِ خَارج مَكَّةَ، إلَى أنْ بَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولًا كَرِيمًا، ثُمَّ نَعْرِفُ بِشَكْلٍ أدَقَّ وَأوْضَحَ وأكْمَلَ كُلَّ أحْوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً فَسَنَةً، مِمَّا يَجْعَلُ سِيرَتَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَاضِحَةً وُضُوحَ الشَّمْسِ، كمَا قَالَ بَعْضُ النُّقَّادِ الغَرْبِيِّينِ: إنَّ مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- هُوَ الوَحِيدُ الذِي وُلدَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ.
-إنَّ سِيرَةَ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَامِلَةٌ لِكُلِّ النَّوَاحِي الإنْسَانِيَّةِ في الإنْسَانِ، فَهِيَ تَحْكِي لنَا سِيرَةَ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- الشَّابِّ الأمِينِ المُسْتَقِيمِ قَبْلَ أنْ يُكْرِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرِّسَالِةِ، كمَا تَحْكِي لَنَا سِيرَةَ رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الدَّاعِيَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى المُتَلَمِّسِ أجْدَى الوَسَائِلِ لِقَبُولِ دَعْوتهِ، البَاذِلِ مُنْتَهَى طَاقَتِهِ وجُهْده في إبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، كمَا تَحْكِي لنَا سِيرَتَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَقَائِد دَوْلَةٍ يَضَعُ لِدَوْلَتِهِ أقْوَمَ النُّظُمِ وأصَحَّهَا.
كمَا تَحْكِي لنَا سِيرَةَ الرَّسُولِ الزَّوْجِ والأَبِ في حُنُوِّ العَاطِفَةِ، وحُسْنِ المُعَامَلَةِ، والتَّمْيِيزِ الوَاضِحِ بَيْنَ الحُقُوقِ والوَاجِبَاتِ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ والأوْلَادِ، كمَا تَحْكِي لَنَا سِيرَةَ الرَّسُولِ المُرَبِّي المُرْشِدِ الذِي يُشْرِفُ عَلَى تَرْبِيَةِ أصْحَابِهِ تَرْبِيَةً مِثَالِيَّةً يَنْقُلُ مِنْ رُوحِهِ إلَى أرْوَاحِهِمْ، ومِنْ نَفْسِهِ إلَى نُفُوسِهِمْ، ما يَجْعَلُهُمْ يُحَاوِلُونَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ في دَقِيقِ الأُمُورِ وكَبِيرِهَا، كمَا تَحْكِي لنَا سِيرَةَ الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- الصَّدِيقِ الذِي يَقُومُ بِوَاجِبَاتِ الصُّحْبَةِ، ويَفِي بِالْتِزَامَاتِهَا وآدابِهَا، مِمَّا يَجْعَلُ أصْحَابَهُ يُحِبُّونَهُ كَحُبِّهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ (1) وأكْثَرَ مِنْ حُبِّهِمْ لِأَهْلِيهِمْ وأقْرِبَائِهِمْ، وسِيرَتُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَحْكِي لنَا
(1) روى الإِمام البخاري في صحيحه -رقم الحديث (6332) - عن عبد اللَّه بن هشام قال: كنّا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه-، فقال له عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: يا رسولَ اللَّه لأنْتَ أحَبُّ إليّ منْ كُلِّ شَيءٍ، إلا نَفْسِي، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا والذِي
-سِيرَةَ المُحَارِبِ الشُّجَاعِ، والقَائِدِ المُنْتَصِرِ، والسِّيَاسِيِّ النَّاجِحِ، والجَارِ الأمِينِ، والمُعَاهِدِ الصَّادِقِ.
-إِنَّ سِيرَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تُعْطِينَا الدَّلِيلَ الذي لَا رَيْبَ فِيهِ عَلَى صِدْقِ رِسَالَتِهِ ونُبُوَّتِهِ، إنَّهَا سِيرَةُ إنْسَانٍ كَامِل سَارَ بِدَعْوَتِهِ مِنْ نَصْرٍ إلَى نَصْرٍ
-إنَّ سِيرَةَ رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَحْكِي سِيرَةَ إنْسَانٍ أكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بالرِّسَالَةِ، فَلَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ إنْسَانِيَّتهِ، فَقَدْ تَزَوَّجَ وطَلَّقَ، ورَضِيَ وغَضِبَ، وبَاعَ واشْترَى .