تقسيم التوحيد

تقسيم التوحيد
111 0

الوصف

تقسيم التوحيد

تمهيدٌ قال اللهُ تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65]. اشتمَلَت هذه الآيةُ الكريمةُ على أقسامِ التَّوحيدِ الثَّلاثةِ: توحيدُ الرُّبُوبيَّةِ في قَولِه: ﴿ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾. وتوحيدُ الأُلُوهيَّةِ في قَولِه: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾. وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ في قَولِه: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾.

 وقد تنوَّعت عباراتُ أهلِ العِلمِ في التَّعبيرِ عن أقسامِ التَّوحيدِ، مع اتِّفاقِها في المضمونِ، وسَبَبُ ذلك أنَّ تقسيمَ التَّوحيدِ مأخوذٌ من استِقراءِ النُّصوصِ، ولم يُنصَّ عليه صراحةً مِن قِبَل الشَّارعِ.

فمِنَ العُلَماءِ مَن قَسَّم التَّوحيدَ إلى الأقسامِ التَّاليةِ:

1- توحيدُ الرُّبوبيَّةِ.

 2- توحيدُ الأُلُوهيَّةِ.

 3- توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ(1). وزاد بعضُ العُلَماءِ قِسمًا رابِعًا سَمَّاه: توحيدَ الاتِّباعِ أو المُتابعةِ، أو توحيدَ الطَّريقِ(2)، والمراد به إفرادُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمتابَعةِ، وهذا القِسمُ يتعلَّقُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو مُندَرِجٌ في توحيدِ الأُلُوهيَّةِ؛ لأنَّ العِبادةَ لا تُقبَلُ شَرعًا إلَّا بشَرطَينِ:

 1- الإخلاصُ للهِ.

 2- المتابعةُ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم(3).

 كما قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من أحدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ)) (4)، وفي روايةٍ لمُسلِمٍ: ((مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ))(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/209)، ((الإبانة الكبرى)) لابن بطة (6/149)، ((لوائح الأنوار)) للسفاريني (1/128)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/17)، ((القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد)) لعبد الرزاق العباد (ص: 17)، ((شرح الرسالة التدمرية)) لعبد الرحمن الخميس (ص: 409).

(2) يُنظر: ((التبيان في أيمان القرآن)) لابن القيم (1/108)، ((القول المفيد في أدلة التوحيد)) للوصابي (ص: 35).

(3) يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/250)، ((الجديد في شرح كتاب التوحيد)) للقرعاوي (ص: 75)، ((شرح مسائل الجاهلية)) للفوزان (ص: 25).

(4) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

(5) أخرجه مسلم (1718).

ومِنَ العُلَماءِ مَن قسَّم التَّوحيدَ إلى قِسمَينِ، هما:

1- توحيدُ الأُلُوهيَّةِ. 

2- توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ. 

وهذا هو الأغلَبُ في كلامِ أهلِ العِلمِ المتقدِّمينَ؛ لأنَّهم يجمَعونَ بين توحيدِ الرُّبوبيَّةِ وتوحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ؛ لأنَّهما يُشَكِّلانِ بمجموعِهما شيئًا واحدًا، وهو جانِبُ العِلمِ باللهِ ومَعرفتِه عزَّ وجلَّ، وتوحيدُ الأُلوهيَّةِ يشكِّلُ جانِبَ العَمَلِ لله. ثمَّ تنوَّعت تَسمياتُهما لهذينِ القِسمَين؛ فمِنهم من يقولُ هما:

 1- التَّوحيدُ العِلميُّ الخَبَريُّ. وهو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ، وسُمِّي بالعِلْميِّ؛ لأنَّه يعتني بجانِبِ العِلمِ بالله، وسُمِّي بالخَبَريِّ؛ لأنَّه يتوقَّفُ على الخبَرِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ.

2- التَّوحيدُ الإراديُّ الطَّلَبيُّ. وهو توحيدُ الأُلوهيَّةِ، وسمِّيَ بالإراديِّ؛ لأنَّ العَبدَ له في العباداتِ إرادةٌ؛ فهو إمَّا أن يقومَ بتلك العبادةِ أو لا، وسمِّيَ بالطَّلَبي؛ لأنَّ العَبدَ يَطلُبُ بتلك العباداتِ وَجْهَ اللهِ ورِضوانَه(1). 

ومِنَ العُلَماءِ من يقولُ هما: 

1- توحيدُ المَعرِفةِ والإثباتِ. وهو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ، وسمِّي بتوحيدِ المَعرِفة؛ لأنَّ مَعرِفةَ اللهِ عزَّ وجلَّ إنَّما تكونُ بمَعرِفة أسمائِه، وصفاتِه، وأفعالِه، وسمِّيَ بتوحيدِ الإثباتِ؛ لإثباتِه ما أثبَتَه اللهُ لنفسِه من الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ.

2- توحيدُ الطَّلَبِ والقَصدِ. وهو توحيدُ الأُلوهيَّةِ، وسمِّيَ بتوحيدِ الطَّلَبِ والقَصدِ؛ لأنَّ العَبدَ يتوجَّهُ بقَلْبِه ولِسانِه وجوارِحِه بالعبادةِ للهِ وَحْدَه، ويَقصِدُ بذلك وَجْهَه، وابتِغاءَ مَرْضاتِه(2).  

ومِنَ العُلَماءِ من يقولُ هما:

1- التَّوحيدُ القَوليُّ وهو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ، وسمِّيَ بالقَوليِّ؛ لأنَّه في مقابِلِ توحيدِ الأُلوهيَّةِ الذي يشكِّلُ الجانبَ العَمَليَّ من التَّوحيدِ.

2- التَّوحيدُ العَمَليُّ. وهو توحيدُ الأُلُوهيَّةِ، وسمِّيَ بالعَمَليِّ؛ لأنَّه يشمَلُ كُلًّا من عَمَلِ القَلبِ، وعَمَلِ اللِّسانِ، وعَمَلِ الجوارحِ؛ التي تُشكِّل بمجموعِها جانبَ العَمَلِ من التَّوحيدِ(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((الصفدية)) لابن تيمية (2/228)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/48)، ((معارج القبول)) لحافظ الحكمي (1/97).

(2) يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/417)، ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 24)، ((معارج القبول)) لحافظ الحكمي (1/97).

(3) يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/367).

والمُختارُ تَقسيمُ التَّوحيدِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ، وهي: 

1- توحيدُ الرُّبوبيَّةِ.

 2- توحيدُ الأُلوهيَّةِ. 

3- توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ.

وهذا التَّقسيمُ الثُّلاثيُّ وارِدٌ في مؤلَّفاتِ أهلِ العِلمِ مُنذُ بدايةِ التَّصنيفِ والتَّدوينِ لمَسائِلِ العَقيدةِ. قال ابنُ بَطَّةَ: (أصلُ الإيمانِ باللهِ، الذي يجِبُ على الخَلْقِ اعتقادُه في إثباتِ الإيمانِ به؛ ثلاثةُ أشياءَ: أحَدُها: أن يعتقِدَ العَبدُ ربانيَّتَه؛ ليكونَ بذلك مُبايِنًا لمذاهِبِ أهلِ التَّعطيلِ الذين لا يُثبِتونَ صانِعًا(1). والثَّاني: أن يعتَقِدَ وحدانيَّتَه؛ ليكون مبايِنًا بذلك مذاهِبَ أهلِ الشِّركِ الذين أقرُّوا بالصَّانِعِ وأشركوا معه في العبادةِ غَيرَه(2). والثَّالِثُ: أن يَعتَقِدَه موصوفًا بالصِّفاتِ التي لا يجوزُ إلَّا أن يكونَ موصوًفا بها من العِلمِ والقُدرةِ والحِكمةِ وسائِرِ ما وَصَف به نَفْسَه في كتابِه؛ إذ قد عَلِمْنا أنَّ كثيرًا ممَّن يُقِرُّ به ويوحِّدُه بالقَولِ المطلَقِ قد يُلحِدُ في صِفاتِه(3))(4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهذا هو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ.

(2) وهذا توحيدُ الأُلوهيَّةِ.

(3) وهذا توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ.

(4) يُنظر: ((الإبانة)) (6/149).

هذا التَّقسيمُ الاستِقرائيُّ لدى متقدِّمي عُلَماءِ السَّلَفِ أشار إليه ابنُ مَنْدَهْ، وابنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ وغَيرُهما، وقرَّره شيخا الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ وابنُ القَيِّمِ.

وأمَّا توحيدُ الأُلوهيَّةِ فهو متضَمِّنٌ لتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ؛ لأنَّ مَن عَبَد اللهَ ولم يُشرِكْ به شَيئًا، يَستَلزِمُ إيمانُه بأنَّ اللهَ هو ربُّه ومالِكُه الذي لا ربَّ غَيرُه. وأمَّا توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ فهو شامِلٌ للنَّوعَينِ معًا؛ لأنَّه يقومُ على إفرادِ اللهِ تعالى بكلِّ ما له من الأسماءِ الحُسنى، والصِّفاتِ العُلا التي لا تنبغي إلَّا له سُبحانَه وتعالى، والتي من جُملتِها: الرَّبُّ - الخالِقُ - الرَّازِقُ - المَلِكُ، وهذا هو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، ومن جملتِها: اللهُ - الغفورُ - الرَّحيمُ - التَّوَّابُ، وهذا هو توحيدُ الأُلوهيَّةِ(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (4/1544)، ((زاد المعاد)) (4/187) كلاهما لابن القيم، ((الكواشف الجلية عن معاني الواسطية)) للسلمان (ص: 292)، ((معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات)) لمحمد التميمي (ص: 40).  

 

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد