من وسائل اكتساب الأخلاق إقامة العدل

من وسائل اكتساب الأخلاق إقامة العدل
76 0

الوصف

من وسائل اكتساب الأخلاق القدوة الحسنة

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[الأحزاب : 21]

فَفِي هَذَا النَّصِّ إِرْشَاد عَظِيم مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْعَلُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدْوَة حَسَنَة لَهُم ، يَقْتَدُونَ بِهِ ، فِي أَعْمَالِهِ ، وَأَقْوَالِه ، وَأَخْلَاقِه ، وكلِّ جُزْئِيَّات سُلُوكِهِ فِي الْحَيَاةِ ، فَهُوَ خَيْرٌ قُدْوَة يَقْتَدِي بِهَا الْأَفْرَاد العاديون ، وَالْإِفْرَاد الطامحون لِبُلُوغ الْكَمَال الْإِنْسَانِيّ فِي السُّلُوكِ .

وَجَعَلَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، وَصَدَّقُوا ، وَأَخْلَصُوا ، وَاسْتَقَامُوا -أمثلة رَائِعَة يُقْتَدَى بِهَا فِي مُعْظَمِ الْفَضَائِل الْفَرْدِيَّة والاجْتِماعِيَّة .

وَلَئِن انْتَقَل الرَّسُول صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلَى جِوَارِ رَبِّهِ ، فإنَّ سِيرَتِه الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى جُزْئِيَّاتٍ سُلُوكِه مَاثَلَه لَنَا .

وَفِيمَا بَلَغَنَا مِنْ تَرَاجِم أَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَا يَكْفِي لتجسيد الْقُدْوَة الْحَسَنَة لِلْمُجْتَمَع الْمُسْلِم .

ثُمّ إنَّ كلَّ عَصْرٍ مِنْ الْعُصُور مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَخْلُو مِنْ وُجُودِ طَائِفَةٌ مِنْ أُمِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ قُدْوَة حَسَنَة ، قَلَّت هَذِهِ الطَّائِفَةُ أَوْ كَثُرَتْ ، فَقَد بَشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ، ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرِهِم الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ))رواه أبو داود (2484)

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَة بِأَمْرِ اللَّهِ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ، وَلَا مِنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ))

من وسائل اكتساب الأخلاق مصاحبة الأخيار، وأهل الأخلاق الفاضلة

فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه.

ومجالستهم تكسب المرء الصلاح والتقوى، والاستنكاف عنهم تنكب عن الصراط المستقيم.

قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[التوبة: 119] 

وقال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا ﴾[الفرقان: 63] 

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك: إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد: يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة  ))رواه البخاري (2101).

قال أبو حاتم: (العاقل يلزم صحبة الأخيار، ويفارق صحبة الأشرار؛ لأنَّ مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار، لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبًا، فكما أنَّ صحبة الأخيار تورث الخير، كذلك صحبة الأشرار تورث الشر)((روضة العقلاء)) (ص 80).

فالصداقة المتينة، والصحبة الصالحة، لا تحلُّ في نفس إلا هذبت أخلاقها الذميمة. فإذا كان الأمر كذلك، فما أحرى بذلك اللب أن يبحث عن إخوان ثقات؛ حتى يعينوه على كلِّ خير، ويقصروه عن كلِّ شرٍّ.

قال ابن الجوزي: (ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإنَّ الطبع يسرق؛ فإن لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم فتر عن عمله)

قال الناظم:

أنت في الناس تقاس        بالذي اخترت خليلا

فاصحب الأخيار تعلو        وتنل ذكرًا جميلا

قال العلماء: إنما سمي الصديق صديقًا لصدقه، والعدو عدوًّا لعدوه عليك.

من وسائل اكتساب الأخلاق إقامة سلطان الدولة الإسلامية

للسلطة الْمَادِّيَّة الَّتِي تمارسها الدَّوْلَة الْإِسْلَامِيَّة ، أَثَر فَعَّال فِي إلْزَامِ الأفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ ، بِالْمَنْهَج الأخْلاقِي الّذِي رَسَمَهُ الْإِسْلَام لِلنَّاس ، وَفِي تَرْبِيَة نُفُوسِهِم وَقُلُوبَهُمْ عَلَى الْفَضَائِلِ الأخْلاَقِيَّة .

وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدَّوْلَة الْإِسْلَامِيَّة ضَبْط انْتِظَام الأفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ فِي نِظَامِ الْأَخْلَاق الْإِسْلَامِيَّة ، بِمَا تَوْلِيَة مِن رَقابَة يَقَظَة ، وَحِرَاسَة سَاهِرَةٌ ، وَمُحَاسَبَة للمنحرفين ، وتشجيع للسابقين ، وَتَوْجِيه وَتَرْبِيَة ، وَبِنَاء وَصِيَانَة .

وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدَّوْلَة الْإِسْلَامِيَّة وَضَع الأنْظِمَة الْمُخْتَلِفَة ، الْمُرَغِّبَة بِالْتِزَام الْمَنْهَج الأخْلاقِي الرَّبَّانِيّ ، والرادعة عَنْ مُخَالَفَتِهِ ، وَاِتِّخَاذ مُخْتَلَفٌ الْوَسَائِل النَّافِعَة التوجيهية والتربوية لِحِمَايَة الْأَخْلَاق وَصِيَانَتِهَا .

وَرُبَّمَا كَانَ وَازِعٌ السُّلْطَة الإدَارِيَّة هَذَا أَقْوَى وَازِعٌ لِإِلْزَام الجَمَاهِير بِسُلُوك السَّبِيل الْأَقْوَم ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ : (إنَّ اللَّهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَع بالقرآن).

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد