معني توحيد الربوبية

معني توحيد الربوبية
51 0

الوصف


تَعريفُ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ

معنى كَلِمةِ الرَّبِّ لُغةً

قال ابنُ الأنباريِّ: (الرَّبُّ: ينقسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: يكونُ الرَّبُّ: المالِكَ. ويكون الرَّبُّ: السَّيِّدَ المطاعَ؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾ [يوسف: 41]، معناه: فيَسقي سَيِّدَه... ويكونُ الرَّبُّ: المصلِحَ، من قولهِم: قد رَبَّ الرَّجُلُ الشَّيءَ يرُبُّه رَبًّا، والشَّيءُ مربوبٌ: إذا أصلَحَه)(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((الزاهر)) (1/467).

 

معنى كَلِمةِ الرَّبِّ من حيثُ هي اسمٌ للهِ تعالى

قال ابنُ جَريرٍ: (فربُّنا جَلَّ ثناؤه: السَّيِّدُ الذي لا شِبْهَ له، ولا مِثْلَ في سُؤدُدِه، والمصلِحُ أمرَ خَلْقِه بما أسبَغَ عليهم مِنْ نِعَمِه، والمالِكُ الذي له الخَلْقُ والأمرُ)(1).

وقال الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ: (لا يُقالُ الرَّبُّ مُطلقًا إلَّا للهِ تعالى المتكفِّلِ بمصلحةِ الموجوداتِ، نحوُ قَولِه: ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: 15])(2). فكَلِمةُ (ربٍّ) بالإضافةِ تُقالُ للهِ ولغَيرِه بحَسَبِ الإضافةِ. فمِثالُ الأوَّلِ: ما جاء في قَولِه تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. ومِثالُ الثَّاني: ما حكاه اللهُ تعالى عن يوسُفَ عليه السَّلامُ؛ حيث قال لأحَدِ صاحِبَيه في السِّجنِ: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: 42](3). أي: قال يوسُفُ للذي ظنَّ أنَّه سينجو من القَتلِ، ويخرُجُ مِن السِّجنِ: اذكُرني عند سيِّدِك الملِكِ، وأخبِرْه بأنِّي مَسجونٌ بلا ذَنبٍ(4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/143).

(2) يُنظر: ((المفردات)) (ص: 336).

(3) يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 336)، ((منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى)) لخالد عبد اللطيف (1/217).

(4) يُنظر: ((التفسير المحرر - سورة يوسف)) (ص: 146).

 

تَعريفُ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ شَرعًا

توحيدُ الرُّبوبيَّةِ هو الإقرارُ الجازِمُ بأنَّ اللهَ تعالى رَبُّ كلِّ شيءٍ ومَليكُه، وخالِقُه، ومُدَبِّره، والمتصَرِّفُ فيه، ليس له شَريكٌ في مُلْكِه، ولا مُنازِعٌ له في شيءٍ من معاني رُبوبيَّتِه(1). قال ابنُ القَيِّمِ: (فيَشهَدُ صاحِبُه قيوميَّةَ الربِّ تعالى فوقَ عَرشِه، يدبِّرُ أمرَ عبادِه وَحْدَه، فلا خالِقَ ولا رازِقَ، ولا مُعطيَ ولا مانِعَ، ولا مُميتَ ولا مُحْييَ، ولا مُدَبِّرَ لأمرِ المملَكةِ ظاهِرًا وباطِنًا غيرُه، فما شاء كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، لا تتحَرَّكُ ذَرَّةٌ إلَّا بإذنِه، ولا يجري حادثٌ إلَّا بمشيئتهِ، ولا تَسقُطُ وَرقةٌ إلَّا بعِلْمِه، ولا يَعزُبُ عنه مِثقالُ ذَرَّةٍ في السَّمَواتِ ولا في الأرضِ ولا أصغَرُ من ذلك ولا أكبَرُ إلَّا أحصاها عِلْمُه، وأحاطت بها قُدرتُه، ونفَذَت بها مَشيئتُه، واقتضَتْها حِكمَتُه، فهذا جَمعُ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ)(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (3/289)، ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: 56)، ((تاج العروس)) للزبيدي (9/276)، ((معارج القبول)) (1/99)، ((أعلام السنة المنشورة)) (ص: 23) وكلاهما للحكمي.

(2) يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/471).

مَنزِلةُ توحيدِ الرُّبوبيَّةِ

- توحيدُ الرُّبوبيَّةِ فيه إقرارٌ بعَظَمةِ اللهِ، وتفرُّدِه بالخَلْقِ والمِلْكِ والتَّدبيرِ. قال اللهُ تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ [الأنعام: 102]. 

وقال اللهُ سُبحانَه: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: 31-32] وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الذَّنبِ أعظَمُ عندَ اللهِ؟ قال: ((أن تجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك))(1).  

 قال أبو عَمرٍو الدَّاني مبينًا عقيدةَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: (ومن قَولِهم: إنَّ اللهَ سُبحانَه مُقَدِّرٌ أرزاقَ الخَلْقِ، ومؤقِّتٌ لآجالهم، وخالقٌ لأفعالهم، وقادرٌ على مقدوراتهم، وأنَّه إلهٌ وربٌّ لنا، لا خالِقَ غَيرُه، ولا رَبَّ سِواه، على ما أخبَرَ به جلَّ ثناؤه في قَولِه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [الروم: 40]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58]، وقال: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34]، وقال: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو﴾ [فاطر: 3]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: 20]، وقال: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: 2])(2).

- توحيدُ الرُّبوبيَّةِ يؤدِّي إلى الإقرارِ بتوحيدِ الإلهيَّةِ، أي: إفرادِ اللهِ عزَّ وجلَّ بالعبادةِ وَحْدَه لا شَريكَ له. قال اللهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21، 22].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (4477) ومسلم (86).

(2) )) يُنظر: ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات)) (ص: 151).

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد