مَن شكَّ في نجاسةِ ماءٍ أو طهارَتِه

مَن شكَّ في نجاسةِ ماءٍ أو طهارَتِه
121 0

الوصف

مَن شكَّ في نجاسةِ ماءٍ أو طهارَتِه

مَن شكَّ (1)في نجاسة ماءٍ أو طَهارَتِه، فإنَّه يبني على الأصلِ؛ فإذا تيقَّنَ طهارةَ الماءِ وشكَّ في نجاسَتِه، جاز استخدامُه؛ إذِ الأصلُ بقاؤه على الطَّهارة، وإن تيقَّنَ نجاسَتَه وشكَّ في طهارَتِه، فلا يَستعمِله؛ إذِ الأصلُ بقاؤُه على النَّجاسةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة(2)، والمالكيَّة(3)، والشافعيَّة(4)، والحنابلة(5) 

الأدلَّة: 

أولًا: مِن السُّنَّةِ عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: " شُكِيَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرجُلُ يُخيَّلُ إليه أنَّه يجِدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ، قال: لا ينصَرفْ، حتى يسمَعَ صوتًا، أو يجِدَ ريِحًا(6) "(7) وجه الدَّلالة: أنَّ استصحابَ الأصلِ، والبناءَ على اليقين؛ أصلٌ يُعتمَدُ عليه، ما لم يترجَّحْ شيءٌ آخرُ بخلافِه(8)

 ثانيًا: القياسُ يَقتضي أنَّ الشيءَ متى شُكَّ في حُكمِه رُدَّ إلى أصلِه، والأصلُ في الماءِ الطَّهارة، ولا يزول بالشكِّ، وإن تيقَّنَ نجاسَتَه وشكَّ في طهارَتِه فهو نجِسٌ؛ لأنَّه الأصلُ واليقينُ، وتطهُّرُه مشكوكٌ فيه(9) .

  1.  يُطلِق الفُقهاءُ الشَّك: بمعنى التردُّدِ بين وجود الشيء وعَدَمِه، سواء كان الطرفان في التردُّدِ سواءً، أو كان أحدهما راجحًا. أمَّا أصحاب الأصول: ففرَّقوا بينهما، فقالوا: التردُّد بين الطرفين إنْ كان على السَّواء فهو الشكُّ، وإلَّا فالراجِحُ ظنٌّ، والمرجوح وهمٌ ((المجموع)) للنووي( 1/168، 169)

  2.  ((المبسوط)) للسرخسي (1/105) وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/73). لكن قد يقدِّمُ الحنفيَّةُ الطَّاهِرَ لقرينةٍ. انظر: ((المبسوط)) (1/83)

  3.  ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/246)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/361)

  4.  ((المجموع)) للنووي (1/167)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/77)

  5.  ((الفروع)) لابن مفلح (1/93)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/46)

  6. قال النووي: (هذا الحديثُ أصلٌ من أصول الإسلام، وقاعدةٌ عظيمةٌ من قواعِدِ الفِقهِ؛ وهي أنَّ الأشياءَ يُحكَم ببقائها على أصولِها حتى يُتَيَقَّنَ خلافُ ذلك، ولا يضرُّ الشكُّ الطارئُ عليها) ((شرح النووي على مسلم)) (4/49)، ((المجموع)) (1/168).

  7.  رواه البخاري (137)، ومسلم (361) واللفظ له.

  8.  ((شرح النووي على مسلم)) (4/49)

  9.  ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/74)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة(1/46، 47)

  10.  صورته: أن تكون هناك أوانٍ فيها ماءٌ طَهورٌ، وأوانٍ فيها ماءٌ نَجِسٌ، فاختلطت عليه الأواني فلم يميِّزِ الماءَ الطَّهورَ من الماء النَّجِس، ويُتصوَّر الاشتباهُ عند من يُنجِّسُ الماءَ القليلَ بمجرَّد الملاقاةِ ولو لم يتغيَّرْ، ويُتصوَّر أيضًا عند من لا ينجِّس الماءَ إلَّا بالتغيُّر كأن يختلِطَ بعضها بترابٍ نجسٍ، وبعضها بترابٍ طاهرٍ، واشتبهت عليه هذه من تلك ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/247)، ((حاشية الدسوقي)) (1/82) ومحل الخلاف: - إذا لم يكنْ عنده ماءٌ طَهورٌ بيقينٍ - إذا لم يُمكِنْه تطهيرُ أحدهما بالآخر يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/64)

من اشتبه عليه الطهور بالنجس.

هنا ليس شك إنما اشتبه عليه ماذا يفعل يتحري ما يغلب علي ظنه أيهما طهور 

الأدلة :

1-حديث ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحري الصواب " 

2-أنه طريق يمكن التوصل إليه بالاستدلال فجازا الاجتهاد فيه كالاجتهاد عند اشتباه القبلة.

وجه الدلالة:  

أنه إذا تعذر اليقين رجع إلي غلبة الظن وهو التحري.

الإخبار بنجاسة الماء

المطلب الأوَّل: حُكمُ خَبرِ الثِّقةِ العَدلِ بنجاسةِ الماء إن بيَّن سببَ ذلك يُقبَل خَبرُ الثِّقةِ العَدلِ بنجاسةِ الماءِ، إنْ بيَّن سببَ النَّجاسةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ: الحنفيَّة(1)، والمالكيَّة(2)، والشافعيَّة(3)، والحنابلة(4)؛ وذلك لأنَّ خبَرَ العَدلِ مقبولٌ في مِثلِ هذه الأشياءِ، وليس هو من بابِ الشَّهادةِ، وإنما هو من بابِ الخَبَر(5). المطلب الثاني: حُكمُ خَبرِ الثِّقة العَدلِ بنجاسةِ الماءِ إن لم يبيِّنْ سبب ذلك إن أخبَرَ عدلٌ ثقةٌ بنجاسةِ ماءٍ، ولم يبيِّن سبَبَ النجاسة؛ لم يجب قَبولُ خَبَرِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة(6)، والشافعيَّة(7)، والحنابلة(8)؛ وذلك لاحتمالِ اعتقادِ نجاسةِ الماءِ بما لا ينجِّسُه، أو بسببٍ لا يعتقِدُه المخبَرُ، كموت ذبابةٍ عند من يتبَعُ المذهَبَ الشافعيَّ مثلًا، والمُوَسوِس يعتقد نجاسَتَه بما لا ينجِّسُه، والأصلُ طَهارةُ الماءِ فلا يُخرَجُ عنه إلَّا ببرهانٍ(9).

 

  1. ((المبسوط)) للسرخسي (1/82)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/72)، ((المبسوط)) للشيباني (3/80).

  2.  ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/120)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/361).

  3.  ((المجموع)) للنووي (1/176)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/28).

  4.  ((الإنصاف)) للمرداوي (1/62)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/46).

  5.  ((المجموع)) للنووي (1/176).

  6.  ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/120)، ((حاشية الدسوقي)) (1/47).

  7.  ((المجموع)) للنووي (1/176)، وينظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/24).

  8.  ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/46)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (1/48)، ((قواعد ابن رجب)) (ص: 369).

  9.  ((حاشية الدسوقي)) (1/47)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/361)، ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (/47-49)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/46).

  10. صورته: أن تكون هناك أوانٍ فيها ماءٌ طَهورٌ، وأوانٍ فيها ماءٌ نَجِسٌ، فاختلطت عليه الأواني فلم يميِّزِ الماءَ الطَّهورَ من الماء النَّجِس، ويُتصوَّر الاشتباهُ عند من يُنجِّسُ الماءَ القليلَ بمجرَّد الملاقاةِ ولو لم يتغيَّرْ، ويُتصوَّر أيضًا عند من لا ينجِّس الماءَ إلَّا بالتغيُّر كأن يختلِطَ بعضها بترابٍ نجسٍ، وبعضها بترابٍ طاهرٍ، واشتبهت عليه هذه من تلك ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/247)، ((حاشية الدسوقي)) (1/82) ومحل الخلاف: - إذا لم يكنْ عنده ماءٌ طَهورٌ بيقينٍ - إذا لم يُمكِنْه تطهيرُ أحدهما بالآخر يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/249)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/64)

إن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو محرَّمة

إذا اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بثيابٍ نجسةٍ أو بثيابٍ محرَّمةٍ، كأن يكون الثَّوبُ مَسروقًا أو مغصوبًا؛ فإنَّه يتحرَّى(1)، ويصلِّي بإحداها، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة(2)، والشافعيَّة(3)، وهو قولٌ للمالكيَّة(4)، واختاره ابنُ عَقيلٍ الحنبليُّ(5)، وابنُ تيميَّة(6)، ونقله القاضي أبو الطيِّبِ عن أكثَرِ العُلَماءِ(7) الأدلَّة: أولًا: مِن السُّنَّةِ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:" إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصَّوابَ  "(8) ففيه دليلٌ على ثُبوتِ التحرِّي في المُشتَبِهاتِ(9) ثانيًا: قياسًا على الاجتهادِ في الأحكامِ، والاجتهادِ في القِبلة، وعلى تَقويمِ المُتلَفاتِ، وإن كان قد يقع في ذلك كلِّه الخطأُ(10) ثالثًا: أنَّ القاعدةَ تنصُّ على أنَّه إذا تعذَّر اليقينُ رُجِع إلى غَلَبةِ الظنِّ، وهنا تعذَّر اليقينُ فنرجِعُ إلى غلبة الظنِّ، وهو التحرِّي.

 

  1. التحرِّي: هو طلب الصَّواب، والتفتيش عن المقصود. ((المجموع)) للنووي (1/169).

  2.  ((المبسوط)) للسرخسي (10/165)، وينظر: ((المبسوط)) للشيباني (3/25).

  3.  ((المجموع)) للنووي (1/181)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/345).

  4.  ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/232)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/176).

  5.  ((الإنصاف)) للمرداوي (1/67).

  6.  ((الفتاوى الكبرى)) (5/299)، ((اختيارات ابن تيميَّة)) (ص: 385).

  7.  ((المجموع)) للنووي (1/181).

  8.  رواه البخاري (401)، ومسلم (572)، واللفظ له.

  9.  ((الشرح الممتع))( 1/61، 62).

  10.  ((المجموع)) للنووي (1/181).

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد