(الجزيرة العربية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم)
الوصف
الجَزِيرَةُ العَرَبيَّةُ في العَصرِ الجَاهِلِيِّ
أمَّا العَرَبُ قَبْلَ الإِسْلَامِ فَسَاءَتْ أخْلَاقُهُمْ، فأوْغَلُوا بالخَمْرِ والقِمَارِ، وبَلَغَتْ بِهِمُ القَسَاوَةُ والحَمِيَّةُ المَزْعُومَةُ إلَى وَأْدِ (1) البَنَاتِ، وشَاعَتْ فِيهِمُ الغَارَاتُ، وقَطْعُ الطُّرُقِ عَلَى القَوَافِلِ، وسَقَطَتْ مَنْزِلَةُ المَرْأَةِ، فكَانَتْ تُورَثُ كَمَا يُورَثُ المَتَاعُ أوِ الدَّابَّةُ، ومِنَ المَأْكُولَاتِ مَا هُوَ خَاصٌّ بِالذُّكُورِ، مُحَرَّمٌ عَلَى الإِنَاثِ، وكانَ يَسُوَّغُ لِلرَّجُلِ أنْ يَتَزَوَّجَ ما يَشَاءُ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ.
وكَانَتِ العَصَبِيَّةُ القَبَلِيَّةُ، والدَّمَوِيَّةُ شَدِيدَةً جَامِحَةً، وأُغْرِمُوا بالحَرْبِ، حتَّى صَارَتْ مَسْلَاةً لَهُمْ، ومَلْهًى وهِوَايَةً، يَنتهِزُونَ لِلتَّسْلِيَةِ، وقَضَاءَ هَوَى النَّفْسِ نُشُوبَ حَرْبٍ لَهَا مُسَوِّغٌ، أوَ لَا مُسَوِّغَ لَهَا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ما قَالَهُ الشَّاعِرُ الجَاهِلِيُّ (الرُّقَّادُ بنُ المُنْذِرِ بنِ ضِرَارٍ الضَّبِّيُّ):
إذَا المُهْرَةُ الشَّقْرَاءُ أَدْرَكَ ظَهْرُهَا ... فَشَبَّ الإِلَهُ الحَرْبَ بَيْنَ القَبَائِلِ
وأَوْقَدَ نَارًا بَيْنَهُمْ بِضِرَامِهَا ... لَهَا وَهْجٌ لِلْمُصْطَلِي غَيْرُ طَائِلِ
وهَانَتْ عَلَيْهِمْ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ، فتثِيرُهَا حَادِثَةٌ تَافِهَةٌ، وتَدُومُ الحَرْبُ أرْبَعِينَ
المراجع
- وَأْدُ البَنَاتِ: قَتْلُهُنَّ: كانَ إذا وُلدَ لِأَحَدِهم في الجاهلية بِنْتٌ دَفنَهَا في التُّرَاب وهي حيَّة خَشْيَة العَارِ. انظر النهاية (5/ 125)
سَنَةً يُقْتَل فِيهَا أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ.
أمَّا مِنْ جِهَةِ الأَخْلَاقِ، فكَانَتْ فِيهِمْ أدْوَاءٌ وأمْرَاضٌ مُتَأَصِّلَةٌ، وأسْبَابُهَا فَاشِيَةٌ (1).
* شُرْبُ الخَمْرِ:
وَكَانَ شُرْبُ الخَمْرِ واسِعَ الشُّيُوعِ، شَدِيدَ الرُّسُوخِ فِيهِمْ، تَحَدَّثَ عَنْ مُعَاقَرَتِهَا والِاجْتِمَاعِ عَلَى شُرْبِهَا الشُّعَرَاءُ، وشَغَلَتْ جَانِبًا كَبِيرًا مِنْ شِعْرِهِمْ وتَارِيخِهِمْ وأدَبِهِمْ، وكَثُرَتْ أسْمَاؤُهَا وصِفَاتُهَا فِي لُغَتِهِمْ، وكثُرَ فِيهَا التَّدْقِيقُ والتَّفْصِيلُ كَثْرَةً تَدْعُو إلَى العَجَبِ، وكَانَتْ حَوَانِيتُ الخَمَّارِينَ مَفْتُوحَةً دَائِمًا يُرَفْرِفُ عَلَيْهَا عَلَمٌ يُسَمَّى (غَايَةً).
قَالَ لَبِيدُ (2) بنُ رَبِيعَةَ العَامِرِيُّ -رضي اللَّه عنه-:
قَدْ بِتُّ سَامِرَهَا وغَايَةَ تَاجِرٍ ... وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وَعَزَّ مُدَامُهَا
وكَانَ مِنْ شُيُوعِ تِجَارَةِ الخَمْرِ أنْ أصْبَحَتْ كَلِمَةُ التِّجَارَةِ مُرَادِفَةً لِبَيْعِ الخَمْرِ (3).
المراجع
(1) انظر السيرة النبوية ص 39 لأبي الحسن الندوي رحمه اللَّه.
(2) هُوَ لَبِيدُ بنُ رَبِيعَةَ بنِ صَعْصعَةَ العَامِرِيُّ الشَّاعر المَشْهُورُ، كان -رضي اللَّه عنه- شاعرًا مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءَ، وكان فَارِسًا شُجَاعًا سَخِيًّا، وهو صاحِبُ إحدى المُعَلَّقَاتِ السَّبْعِ، وَفَدَ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سنةَ وَفَدَ قَوْمُهُ بنُو جَعْفر، فأسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُهُ. انظر الإصابة (5/ 500).
(3) انظر السيرة النبوية ص 39 لأبي الحسن الندوي رحمه اللَّه
* القِمَارُ:
وكَانَ القِمَارُ مِنْ مَفَاخِرِ الحَيَاةِ الجَاهِلِيَّةِ، قالَ الشَّاعِرُ الجَاهِلِيُّ:
أعَيَّرْتَنَا أَلْبَانَهَا ولُحُومَهَا ... وذَلِكَ عَارٌ يَا ابْنَ رَيْطَةَ ظَاهِرُ
نُحَابِي بِهَا أكْفَاءَنَا ونُهِينُهَا ... ونَشْرَبُ في أثْمَانِهَا ونُقَامِرُ
وكَانَ عَدَمُ المُشَارَكَةِ في مَجَالِسِ القِمَارِ عَارًا.
قَالَ قتَادَةُ: كانَ الرَّجُلُ في الجَاهِلِيَّةِ يُقَامِرُ عَلَى أَهْلِهِ ومَالِهِ، فَيَقْعُدُ حَرِيبًا (1) سَلِيبًا، يَنْظُرُ إلى مَالِهِ في يَدِ غَيْرِهِ، فكانَتْ تُورِثُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً وبُغْضًا (2).
* تَعَاطِيهِمُ الرِّبَا:
وكَانَ أهْلُ الحِجَازِ: العَرَبُ واليَهُودُ، يَتَعَاطَوْنَ الرِّبَا، وكانَ فَاشِيًا (3) فِيهِمْ، وكانُوا يُجْحِفُونَ (4) فيهِ، ويَبْلُغُونَ إلَى حَدِّ الغُلُوِّ والقَسْوَةِ.
قالَ الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كانَ الرِّبَا في الجَاهِلِيَّةِ في التَّضْعِيفِ وفي السِّنِينَ، يكُونُ لِلرَّجُلِ فَضْلُ دَيْنٍ، فَيَأْتِيهِ إِذَا حَلَّ الأَجَلُ، فَيَقُولُ له: تَقْضِيني أوْ تَزِيدُنِي؟ فإنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَقْضِيهِ قَضَى، وإلَّا حَوَّلهُ إلَى السِّنِّ التِي فَوْقَ ذَلِكَ، إنْ كَانَتْ ابْنَةَ مَخَاضٍ (5) يَجْعَلُهَا. . . .
المراجع
(1) الحريب: الذي سُلِبَ ماله. انظر لسان العرب (3/ 101).
(2) انظر تفسير الإِمام الطبري (5/ 36) - آية (91) من سورة المائدة.
(3) فَشَا: أي انتشَرَ. انظر النهاية (3/ 403).
(4) المُجَاحَفَةُ: أخْذُ الشّيء واجْتِرَافُهُ. انظر لسان العرب (2/ 186).
(5) المَخَاضُ: اسمٌ للنُّوقِ الحَوَامِلِ، وبِنْتُ المَخَاضِ وابنُ المَخَاضِ: ما دخلَ في السُّنةِ
ابْنَةَ لَبُونٍ (1) في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ حِقَّةً (2)، ثُمَّ جَذْعَةً (3)، ثُمَّ رُبَاعِيًّا (4) هَكَذا إلَى فَوْقٍ.
وفي العَيْنِ (5) يَأْتيهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أضْعَفَهُ في العَامِ القَابِلِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أضْعَفَهُ أَيْضًا، فتَكُونُ مِئَةً، فَيَجْعَلُهَا إلَى القَابِلِ مِئتَيْنِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَعَلَهَا أرْبَعَمِئَةٍ يُضْعِفُهَا له كُلَّ سَنَةٍ أوْ يَقْضِيهِ (6).
وقَدْ رَسَخَ الرِّبَا فِيهِمْ، وجَرَى مِنْهُمْ مَجْرَى الأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ التِي صَارُوا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ التِّجَارةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وقَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.
قالَ الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الذِينَ كانُوا يَأْكُلُونَ الرِّبَا مِنْ أهْلِ
المراجع
(1) بنتُ لَبُونٍ، وابنُ لَبُونٍ: وهُمَا مِنَ الإبلِ ما أَتَى عليهِ سَنَتَانِ ودخَلَ في الثَّالِثَةِ، فصَارَتْ أمُّهُ لَبُونًا، أي ذَاتَ لَبَنٍ؛ لأنَّهَا تكُونُ قدْ حَمَلَتْ حَمْلًا آخَرَ ووضَعَتْهُ. انظر النهاية (4/ 198).
(2) الحِقَّةُ: بكسر الحاء وهو منَ الإبِلِ ما دخلَ في السنة الرابعة إلى آخرها، وسُمّى بذلك لأنه استَحَقَّ الرُّكُوبَ والتَّحْمِيلَ، ويُجمعُ على حِقاقٍ وحَقَائِقَ. انظر النهاية (1/ 399).
(3) الجَذْعَةُ: هو ما كان منها شَابًّا فَتِيًّا، فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمَعْز ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة، ومن الضَّأْنِ ما تمَّتْ له سنة، وقيل أقل منها. انظر النهاية (1/ 243).(4) يُقالُ للذَّكر من الإبل إذا طلَعَتْ رَبَاعِيتهُ -أي أسنانه الأمامية- رَبَاعٌ، والأنثى رَبَاعِيَةٌ بالتخفيف، وذلك إذا دخَلَا في السَّنَةِ السابعة. انظر النهاية (2/ 173).(5) العَيْنُ: هوَ الذَّهَبُ. انظر لسان العرب (9/ 507).(6) انظر تفسير الطبري (3/ 104)
الجَاهِلِيَّةِ، كانَ إذا حَلَّ مَالُ أحَدِهِمْ عَلَى غَرِيمِهِ، يَقُولُ الغَرِيمُ لِغَرِيمِ الحَقِّ: زِدْنِي في الأَجَلِ وأزِيدُكَ في مَالِكَ، كَانَ يُقَالُ لَهُمَا إذا فَعَلَا ذَلِكَ: هذَا رِبًا لا يَحِلُّ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمَا ذَلِكَ، قالُوا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا زِدْنَا في أوَّلِ البَيْعِ، أوْ عِنْدَ مَحَلِّ المَالِ (1).
* انْتِشَارُ الزِّنَى:
ولَمْ يَكُنْ الزِّنَى نَادِرًا، وَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ، فَكَانَ مِنَ العَادَاتِ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ خَلِيلَاتٍ، وتَتَّخِذَ النِّسَاءُ أخِلَّاءَ بِدُونِ عَقْدٍ، وقَدْ كَانُوا يُكْرِهُونَ بَعْضَ النِّسَاءِ عَلَى الزِّنَى، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ (2) مِنْكُمْ طَوْلًا (3) أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ (4) الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ (5) وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (6).
ورَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَنَّ
المراجع
(1) انظر تفسير الطبري (3/ 104).
(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/ 260): أي ومنْ لَمْ يَجِدْ.
(3) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/ 260): أي سَعَةً وقُدْرةً.
(4) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/ 261): أي الحَرَائِر.
(5) قال القرطبي في تفسيره (6/ 236): أي غير زَوَانٍ، أي مُعْلِنَاتٍ بالزِّنى؛ لأنَّ أهل الجاهلية كان فيهم الزَّوَاني في العَلَانيَةِ، ولهُنَّ رايات مَنْصُوباتٌ.
(6) قال القرطبي في تفسيره (6/ 236): أي أصدقاءُ على الفاحشةِ، والآية الكريمة في سورة النساء رقم (25)
النِّكَاحَ في الجَاهِلِيَّةِ كانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أنْحَاءَ. . . والنِّكَاحُ الرَّابع: يَجْتَمعُ النَّاسُ الكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ لا تَمْنَعُ مَنْ جَاءَهَا، وهُنَّ البَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا (1)، فمَنْ أرَادَهُّنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ (2).
وقالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (3).
ورَوَى الإِمَامُ مَالِكٌ في المُوَطَّأِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ -رضي اللَّه عنه- أنَّهُ قالَ: لَا تُكَلِّفُوا الأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الكَسْبَ، فَإنَّكُمْ مَتَى كَلَّفْتُمُوهَا ذَلِكَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا (4).
وقَدْ نَهَى رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ كَسْبِ البَغِيِّ، فقَدْ أخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَده بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- أنَّهُ قَالَ: نَهَى رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ كَسْبِ الحَجَّامِ، وكَسْبِ البَغِيِّ، وثَمَنِ الكَلْبِ (5).
ورَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ: أَنَّ جَارِيَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ أُبَيِّ بنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا: مُسَيْكَةٌ، وأخُرْى يُقَالُ لَهَا:
المراجع
(1) قال الحافظ في الفتح (10/ 232): عَلَمًا بفتح اللام أي عَلامَةً.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب النكاح- باب {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} - رقم الحديث (5127).
(3) سورة النور آية (33).
(4) أخرجه الإِمام مالك في الموطأ -كتاب الاستئذان- باب الأمر بالرِّفق بالمَمْلوك - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول (10/ 589).
(5) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (7976)
أُمَيْمَةٌ، فكانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَى، فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1).
وَكَانَتِ المَرْأَةُ في المُجتَمَعِ الجَاهِلِيِّ عُرْضَةَ غَبْنٍ (2) وحَيْفٍ (3)، تُؤْكَلُ حُقُوقُهَا، وتُبْتَزُّ (4) أَمْوَالُهَا، وتُحْرَمُ إرْثَهَا، وتُعْضَلُ (5) بَعْدَ الطَّلَاقِ، أَوْ وَفَاةِ الزَّوْجِ مِنْ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا تَرْضَاهُ، وتُورَثُ كَمَا يُورَثُ المَتَاعُ أَوِ الدَّابَّةُ.
* وَأْدُهُمُ البَنَاتِ:
وقَدْ بَلَغَتْ كَرَاهَةُ البَنَاتِ إِلَى حَدِّ الوَأْدِ (6)، ذَكَرَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِي، عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْهُ المَيْدَانِيُّ أنَّ الوَأْدَ كَانَ مُسْتَعْمَلًا في قَبائِلِ العَرَبِ قَاطِبَةً، فكَانَ يَسْتَعْمِلُهُ وَاحِدٌ ويَتْرُكُهُ عَشَرَةٌ، فجَاءَ الإِسْلَامُ، وكَانَتْ مَذَاهِبُ العَرَبِ مُخْتَلِفَةً في وَأْدِ البَنَاتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَئِدُ البَنَاتِ لِمَزِيدِ الغَيْرَةِ، ومَخَافَةِ لُحُوقِ العَارِ بِهِمْ مِنْ أجْلِهِنَّ، ومِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَئِدُ مِنَ البَنَاتِ مَنْ كَانَتْ زَرْقَاءَ، أَوْ شَيْمَاء (7)،
المراجع
(1) أخرجه الإِمام مسلم في صحيحه -كتاب التفسير- باب في قوله تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} - رقم الحديث (3029) (27).
(2) الغَبْنُ: النسيان. انظر لسان العرب (10/ 15).
(3) الحَيْف: الميل في الحكم، والجور والظلم. انظر لسان العرب (3/ 420).
(4) تُبْتَزُّ أمْوَالهَا: أي تُسْلَبُ أمْوَالها. انظر لسان العرب (1/ 399).
(5) تُعْضَلُ: أي تُمْنَعُ. انظر النهاية (3/ 230).
(6) وَأْدُ البناتِ: قتلُهُنَّ: كان إذا وُلد لأحدهم في الجاهلية بنت دفنَهَا في التُّراب وهي حَيَّة، خشية العارِ. انظر النهاية (5/ 125).
(7) شَيْمَاءُ: أي سَوْداءُ. انظر لسان العرب (7/ 262)
أَوْ بَرْشَاءَ (1)، أو كَسْحَاءَ (2) تَشَاؤُمًا مِنْهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.
وكانُوا يَقْتُلُونَ البَنَاتِ، ويَئِدُونَهُنَّ بِقَسْوَةٍ نَادِرَةٍ في بَعْضِ الأَحْيَانِ، فَقَدْ يتأَخَّرُ وَأْدُ المَوْءُودَةِ لِسَفَرِ الوَالِدِ وشُغْلِهِ فَلَا يَئِدُهَا إلَّا وقَدْ كَبِرَتْ، وصَارَتْ تَعْقِلُ، وقَدْ حَكَوْا في ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مُبْكِيَاتٍ، وقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُلْقِي الأُنْثَى مِنْ شَاهِقٍ (3).
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَالِهِمْ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (4) وَهُوَ كَظِيمٌ (5) (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ (6) فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (7).
* قَتْلُ الأَوْلَادِ خَشْيَةَ الفَقْرِ:
وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقْتُلُ أوْلَادَهُ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وخَوْفَ الفَقْرِ، وهُمُ الفُقَرَاءُ مِنْ بَعْضِ قَبائِلِ العَرَبِ، فكَانَ يَشْتَرِيهِمْ بَعْضُ سُرَاةِ (8) العَرَبِ وأشْرَافِهِمْ،
المراجع
(1) الأبرَشُ: الأبْرَصُ. انظر لسان العرب (1/ 377).
(2) الأكْسَحُ: الأعْرَجُ، والمُقْعَدُ أيضًا. انظر لسان العرب (12/ 89).
(3) الشَّاهقُ: الجَبَلُ المُرْتَفِعُ. انظر لسان العرب (7/ 229).
(4) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 578): أي كئيبا مِنَ الهَمِّ.
(5) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 578): أي ساكتٌ مِنْ شِدَّةِ ما هُوَ فيه مِنَ الحُزْنِ.
(6) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 578): أي يَئِدَهَا، وهو أن يدفِنَهَا في التراب وهِيَ حَيَّة.
(7) سورة النمل آية (58) (59).
(8) سُرَاةُ: أي أشْرَافٌ. انظر النهاية (2/ 327)
فَصَعْصَعَةُ بنُ نَاجِيَةَ يقُولُ: جَاءَ الإِسْلَامُ وقَدْ فَدَيْتُ ثَلَاثَ مِائَةِ مَوْءُودَةٍ (1)
ومِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَنْذُرُ إِذَا بَلَغَ بَنُوهُ عَشَرَةً نَحَرَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، كمَا فَعَلَ عَبْدُ المُطَّلِبِ جَدُّ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فَحَذَّرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى مِنْ هَذَا الفِعْلِ، فقَالَ سُبْحَانَهُ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ (2) نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ. . .} (3).
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (4).
ورَوَى الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ ، قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنْ تَجْعَلَ للَّهِ نِدًّا (5)، وَهُوَ خَلقَكَ".
قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ .
قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ".
قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ .
المراجع
(1) انظر الإصابة (3/ 347).
(2) الإِمْلَاقُ: الفَقْرُ. انظر تفسير ابن كثير (3/ 362).
(3) سورة الأنعام آية (151).
(4) سورة الإسراء آية (31).
(5) النِدُّ: بكسر النون وتشديد الدال، هو مِثْلُ الشَّيء الذي يُضَادُّهُ في أمُوره، ويريد بها ما كانوا يَتَّخِذُونَهُ آلهةً مِنْ دُونِ اللَّه تَعَالَى. انظر النهاية (5/ 30)
قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنْ تزانِيَ حَلِيلةَ (1) جَارِكَ" (2).
ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ -تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا- فَأَلحَقُوا البَنَاتِ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (3).
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} (4).
وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} (5).
* ظَلَام مُطْبِقٌ ويَأْسٌ قَاتِلٌ:
وقُصَارَى القَوْلِ: إِنَّ القَرْنَ السَّادِسَ المَسِيحِيَّ الذِي كَانَتْ فِيهِ البِعْثَةُ المُحَمَّدِيَّةُ ومَا يَلِيهِ مِنْ فترَةٍ زَمَنِيَّةٍ، كَانَ مِنْ أحَطِّ أدْوَارِ التَّارِيخِ، ومِنْ أشَدِّهَا ظَلَامًا ويَأْسًا مِنْ مُسْتَقْبَلِ الإِنْسَانِيَّةِ وصَلَاحِيَّتهَا لِلبَقَاءَ والازْدِهَارِ (6).
المراجع
(1) قال الحافظ في الفتح (14/ 75): الحَلِيلَةُ بفتح الحاء وزن عَظِيمَة أي التي يَحِلُّ له وَطْؤُهَا.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب الحدود- باب إثم الزناة - رقم الحديث (6811) - وأخرجه في كتاب التوحيد - باب قول اللَّه تَعَالَى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} - رقم الحديث (7520) - ومسلم في صحيحه - كتاب الإحصان - باب كون الشرك أقبح الذنوب - رقم الحديث (141).
(3) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة لأبي الحسن النَّدْوي ص 39.
(4) سورة النحل (57).
(5) سورة الصافات الآيتان (149، 150).
(6) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة لأبي الحسن النَّدْوي ص 43