نَذْرُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ذَبْحَ أحَدِ أَوْلادِهِ
الوصف
نَذْرُ عَبْدِ المُطَّلِبِ ذَبْحَ أحَدِ أَوْلادِهِ
رَأَيْنَا مَا لَقِيَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ مِنْ قُرَيْشٍ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يحْفِرَ بِئْرَ زَمْزَمَ، أحَسَّ بالضَّعْفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصِيرٌ عَلَيْهِمْ، ولَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا ابْنُهُ الحَارِثُ، فَنَذَرَ للَّهِ تَعَالَى لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ بَنِينَ، ثُمَّ بَلَغُوا مَعَهُ حتَّى يَمْنَعُوهُ لَيَنْحَرَنَّ أحَدَهُمْ عِنْدَ الكَعْبَةِ.
وفِعْلًا يُقَدِّرُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، ويُرْزَقُ عَشَرَةَ أَبْنَاءٍ غَيْرَ البَنَاتِ وهُمْ:
1 – الحَارِثُ وهُوَ أكْبَرُهُمْ وأمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ جُنْدُبٍ.
2 – الزُّبَيْرُ وأمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بنِ عَائِذٍ المَخْزُومِيَّةُ.
3 – حَمْزَةُ -رضي اللَّه عنه- وأمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ وُهَيْبٍ.
4 – أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ العُزَّى وأمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ هَاجَرَ.
5 – المُقَوَّمُ وأمُّهُ هَالَةُ.
6 – ضِرَارٌ وهُوَ شَقِيقُ العَبَّاسِ وأمُّهُ نَتْلَةُ.
7 – أَبُو طَالِبٍ وأمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بنِ عَائِذٍ المَخْزُومِيَّةُ.
8 – عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ شَقِيقُ أَبِي طَالِبٍ والزُّبَيرِ.
9 – العَبَّاسُ -رضي اللَّه عنه- وأمُّهُ نَتْلَةُ.
10 – حَجَلٌ وأمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ وُهَيْبٍ.
وَأَمَّا البَنَاتُ فَسِتٌّ وهُنَّ: صَفِيَّةُ، وأمُّ حَكِيمٍ وهِيَ البَيْضَاءُ، وعَاتِكَةُ، وأُمَيْمَةُ، وأرْوَى، وبَرَّةُ (1).
فلَمَّا بَلَغَ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ عَشَرَةً، وعَرَفَ أنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ جَمَعَهُمْ ثُمَّ أخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ، ودَعَاهُمْ إِلَى الوَفَاءِ بالنَّذْرِ فَأَطَاعُوهُ، وقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قَدَحًا ثُمَّ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ ثُمَّ ائْتُونِي، فَفَعَلُوا ثُمَّ أتَوْهُ، فَدَخَلَ عَلَى (هُبَلٍ) وهُوَ صَنَمٌ في جَوْفِ الكَعْبَةِ، وَقَالَ لِصَاحِبِ القِدَاحِ (2): اضْرِبْ عَلَى بَنِيَّ هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ، وأخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الذِي نَذَرَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ.
خُرُوجُ القَدَحِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ:
وكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ المُطَّلِبِ إِلَيْهِ، وكَانَ يَقُولُ: لَئِنْ صُرِفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَنَا بِخَيْرٍ.
فَضَرَبَ بِالْقِدَاحِ فَخَرَجَ القَدَحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فأَخَذَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ بِيَدِهِ
المراجع
(1) انظر الطبقات لابن سعد (1/ 41) – البداية والنهاية (2/ 650) – الرَّوْض الأُنُف (1/ 271).(2) الأقْدَاحُ: هي الأزْلَامُ التي كانت في الجاهلية عليها مكتوبٌ الأمرُ والنهيُ، افعل، ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها في وِعَاءٍ له، فإذا أراد سَفَرًا أو زَوَاجًا أو أمرًا مهمًّا أدخل يده، فأخرَجَ منها زلمًا، فإذا خرج الأمر مضى لشأنِهِ، وإن خرج النَّهي كَفَّ عنه، ولم يفعله. انظر النهاية (2/ 281)
وأَخَذَ الشَّفْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إِلَى الكَعْبَةِ لِيَذْبَحَهُ فَمَنَعَتْهُ قُرَيْشٌ، وَلَا سِيَّمَا إخْوَتُهُ وأخْوَالُهُ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ.
فقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: فَكَيْفَ أصْنَعُ بِنَذْرِي؟ فأشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ عَرَّافَةً بِالحِجَازِ، فَيَسْتَأْمِرَهَا فذَهَبَ إِلَيْهَا عَبْدُ المُطَّلِبِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا شَرَحَ لَهَا تَفَاصِيلَ القِصَّةِ، فَقَالَتْ: كَمِ الدِّيَةُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: عَشَرَةٌ مِنَ الإِبِلِ، قَالَتْ: اضْرِبُوا القِدَاحَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وعَلَى عَشْرٍ مِنَ الإِبِلِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَزِيدُوهَا عَشْرًا حتَّى يَرْضَى رَبُّهُ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ.
فِدَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بِمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ:
فَلَمَّا رَجَعُوا قَرَّبُوا عَبْدَ اللَّهِ، وعَشْرًا مِنَ الإِبِلِ فَخَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا، فَخَرَجَتْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُ مِنَ الإِبِلِ عَشْرًا عَشْرًا، ولَا تَقَعُ القُرْعَةُ إلَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَنْ بَلَغَتِ الإِبِلُ مِائَةً (1) فَوَقَعَتِ القُرْعَةُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَقَدْ رَضِيَ رَبُّكَ يا عَبْدَ المُطَّلِبِ، فَقَالَ عَبْدُ المُطَّلِبِ: لَا حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا بِالقِدَاحِ ثَلَاثًا، فَفَعَلَ، وفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَخْرُجُ القِدَاحُ عَلَى الإِبِلِ، ثُمَّ نُحِرَت وتُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إنْسَانٌ، ولَا طَيْرٌ ولَا سَبُعٌ (2).
المراجع
(1) روى ابن سعد في الطبَّقَات الكُبْرى (1/ 41) عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: كانت الدِّيَةُ يومئذٍ عَشْرًا من الإبلِ، وعبد المطلبِ أوَّلُ من سَنّ ديةَ النَّفْسِ مائةً من الإبل، فجَرَتْ في قريش والعرب مائة من الإبل، وأقرَّها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما كانت عليه.(2) انظر الطبقات لابن سعد (1/ 41) – البداية والنهاية (2/ 650) – الرَّوْض الأُنُف (1/ 271)
حَدِيثٌ وَاهٍ:
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ: "أنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ"، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (1)، وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِقَوْلِهِ: إِسْنَادُهُ وَاهٍ.
وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا (2).
وَأَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْفَتَاوَى، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ (3).
وَأَوْرَدَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ الضَّعِيفَةِ، وَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ (4).
* * *
المراجع
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب تواريخ المتقدِّمينَ من الأنبياء والمرسلين باب ذِكر من قال: إن الذَّبِيحَ إسحاق بن إبراهيم عليهِ السَّلامُ – رقم الحديث (4102).(2) انظر تفسير ابن كثير (7/ 35).(3) أورده العجلوني في كشف الخفاء (1/ 199).(4) انظر السلسلة الضعيفة – رقم الحديث (331) (1677)
زَوَاجُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
ولَمَّا بَلَغَ عَبْدُ اللَّهِ خَمْسًا وعِشْرِينَ سَنَةً، وكَانَ شَابًّا نَسِيبًا جَمِيلًا، وَسِيمًا غَضَّ الإِهَابِ، قَوِيَّ البُنْيَانِ أَرَادَ أبُوهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ أَنْ يُزَوِّجَهُ، فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ، بنِ زُهْرَةَ، بنِ كِلَابِ، بنِ مُرَّةَ، وهِيَ يَوْمَئِذٍ أفْضَلُ امْرَأَةٍ في قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا (1)، وأبُوهَا سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وشَرَفًا، فَبَنَى (2) بِهَا عَبْدُ اللَّهِ في مَكَّةَ (3).
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فكَانَ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا، وأعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أبِيهِ وأُمِّهِ (4).
قِصَّةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ومُنْكَرَةٌ:
رَوَى ابنُ سَعْدٍ في طَبَقَاتِهِ، وابْنُ إسْحَاقَ في السِّيرَةِ: أَنَّ امْرَأَةً تعَرَّضَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ والِدِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأرَادَتْ مِنْهُ أَنْ يَزْنِيَ بِهَا، وذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهَا رَأَتْ في وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ نُورًا سَاطِعًا، فَلَمَّا تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُمَّ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَوَقَعَ بِهَا، ذَهَبَ ذَلِكَ النُّورُ الذِي كَانَ في وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ،
المراجع
(1) أفضلُ امرَأةٍ من قُريش نسبًا مِنْ جهة الأب، ومَوْضعًا مِنْ جهة الأم. انظر شرح الزرقاني على المواهب (1/ 103).(2) البِنَاءُ: هو الدُّخولُ بالزوجة. انظر النهاية (1/ 156).(3) انظر سيرة ابن هشام (1/ 193).(4) انظر سيرة ابن هشام (1/ 194)
ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى المَرْأَةِ، وَقَالَ لَهَا: هَلْ لَكِ فِي الذِي عَرَضْتِ عَلَيَّ؟
فَقَالَتْ: لَا، مَرَرْتَ وفي وَجْهِكَ نُورٌ سَاطِعٌ، ثُمَّ رَجَعْتَ ولَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ النُّورُ، فَلَيْسَ لِي بِكَ اليَوْمَ حَاجَةٌ (1).
وهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنْكَرَةٌ سَنَدًا وَمَتْنًا، ومَنْ يَقْرَأُ الرِّوَايَاتِ المُخْتَلِفَةَ عَنْهَا يُدْرِكُ مَدَى الاخْتِلَافِ والاضْطِرَابِ في سَوْقِهَا سَوَاءً في تَعْيِينِ المَرْأَةِ، إذْ مَرَّةً هِيَ خَثْعَمِيَّةٌ، وأخْرَى أسَدِيَّةٌ قُرَشِيَّةٌ، اسْمُهَا قُتَيْلَةُ، وثَالِثَةً عَدَوِيَّةٌ اسْمُهَا لَيْلَى، وكَذَلِكَ فِي صِفَةِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَمَا الْتَقَتْهُ، فَمَرَّةً هُوَ مُطَيَّنُ الثِّيَابِ، وأُخْرَى هُوَ في زِينَتِهِ (2).
قَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أَبُو شَهْبَة رَحِمَهُ اللَّهُ: وفِي الحَقِّ أنِّي فِي شَكٍّ مِنْ هَذَا العَرْضِ (3)، . . . واللَّهُ أعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ القِصَّةِ (4).
وفَاةُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:
ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ إِلَى الشَّامِ في عِيرٍ (5) مِنْ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ يَحْمِلُونَ تِجَارَاتٍ، فَفَرَغُوا مِنْ تِجَارَاتِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَمَرُّوا بالمَدِينَةِ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ، فقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أنَا أتَخَلَّفُ عِنْدَ
المراجع
(1) أخرج ذلك ابن سعد في طبقاته (1/ 44) – وابن إسحاق في السيرة (1/ 192) – والبيهقي في دلائل النبوة (01/ 107).(2) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة الصحيحة (1/ 95) للدكتور أكرم العمري.(3) أي عَرْضِ هذه المرأةِ نفسهَا على عبدِ اللَّه والدِ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.(4) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة في ضوء القرآن والسنة (1/ 164) للدكتور محمَّد أبو شهبة رَحِمَهُ اللَّهُ.(5) العِيرُ: هي الإبِل التي كانوا يُتَاجِرون عليها. انظر النهاية (3/ 297)
أخْوَالِي بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، فأقَامَ عِنْدَهُمْ مَرِيضًا شَهْرًا، ومَضَى أصْحَابُهُ فَقَدِمُوا مَكَّةَ، فَسَأَلَهُمْ عَبْدُ المُطَّلِبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالُوا: خَلَّفْنَاهُ عِنْدَ أخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، وهُوَ مَرِيضٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ المُطَّلِبِ أكْبَرَ وَلَدِهِ الحَارِثَ فَوَجَدَهُ قَدْ تُوُفِّي ودُفِنَ في دَارِ النَّابِغَةِ، وهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، فَرَجَعَ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ إِلَى أبِيهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فأخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدْ تُوُفِيَ، فَوَجِدَ (1) عَلَيْهِ عَبْدُ المُطَّلِبِ، وإخْوَتُهُ وأخَوَاتُهُ وَجْدًا شَدِيدًا (2).
وُلِدَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتِيمَ الأَبِ:
ولَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كَانَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَمْلًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ابنَ شَهْرَيْنِ، فَقَدْ رَوَى الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وصَحَّحَهُ عَنْ قَيْسِ (3) بنِ مَخْرَمَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: تُوُفِّيَ أبُوهُ وأُمُّهُ حُبْلَى (4) بِهِ (5).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: والمَقْصُودُ أَنَّ أُمَّهُ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، تُوُفِّيَ أبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، وهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَلَى المَشْهُورِ (6).
المراجع
(1) وَجِدَ: بكسر الجيم وفتحها أي حَزِنَ. لسان العرب (15/ 219).(2) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 46) – زاد المعاد (1/ 75) – الرَّوْض الأُنُف (1/ 283) – السِّيرة النَّبوِيَّة للذهبي (1/ 665).(3) هو قيسُ بنُ مَخْرَمَةَ بن المُطَّلِبِ القرشِي المُطَّلِبي، وُلِدَ هو ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في عام واحد، وكان من المؤلَّفَةِ قلوبهم، وكان مِمَّنْ حَسُنَ إسلامه. انظر الإصابة (5/ 379).(4) امرأةٌ حُبْلَى: أي حَامل. انظر لسان العرب (3/ 31).(5) أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب التاريخ – باب زيارته -صلى اللَّه عليه وسلم- قبر أمه – رقم الحديث (4247) – وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي.(6) انظر البداية والنهاية (2/ 665)
وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ: واخْتُلِفَ فِي وَفَاةِ أبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، هَلْ تُوُفِّيَ ورَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَمْلٌ، أَوْ تُوُفِّيَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ؟
عَلَى قَولَيْنِ: أصَحُّهُمَا أنَّهُ تُوُفِّيَ ورَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَمْلٌ (1).
كَمْ كَانَ عُمُرُ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا تُوُفِّيَ؟
وتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا هُوَ أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ (2).
مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أَبِيهِ:
وَجَمِيعُ مَا خَلَّفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَمْسَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَقِطْعَةَ غَنَمٍ، وَجَارِيَةً حَبَشِيَّةً اسْمُهَا: "بَرَكَةُ" وَهِيَ أُمُّ أَيْمَنَ (3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (4).
* * *
المراجع
(1) انظر زاد المعاد (1/ 75).(2) انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 46) – شرح المواهب (1/ 204).(3) هيَ أمُّ أيمنَ الحَبَشِيَّةُ حاضِنَةُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسلَمَتْ قديمًا، وهاجرتْ إلى الحبشةِ، وإلى المدينة، زوَّجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زيد بن حارثة -رضي اللَّه عنه-، فرُزِقَتْ منه ابنها أسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وتوفيت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في خلافة عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-. انظر الإصابة (8/ 358). روى الإمام مسلم في صحيحه – رقم الحديث (1771): عن ابن شهاب الزهري قال: وكان مِنْ شأن أُمِّ أيمن، أُم أسامة بن زيد، أنها كانت وَصيفَةً -أي أمَةً- لعبد اللَّه بن عبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما وَلَدَتْ آمنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بعدما توفي أبوه، فكانت أمُّ أيمن تحضنه، حتى كبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأعتَقَهَا.(4) الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 46)