حادثة شق صدره الشريف -صل الله عليه وسلم-
الوصف
حَادِثَةُ شَقِّ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ -صلى اللَّه عليه وسلم-
وَقَعَتْ حَادَثِةُ شَقِّ صَدْرِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهُوَ فِي بَادِيَةِ بَنِي سَعْدٍ
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتَاهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ القَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءَ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ (1)، ثُمَّ أَعَادَهُ في مَكَانِهِ، وجَاءَ الغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرِهِ (2)، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلْ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وهُوَ مُنْتَقِعُ (3) اللَّوْنِ.
المراجع
(1) قال الإمام النووي في شرح مسلم (1/ 187): أي جمعه وضمَّ بعضه على بعض.(2) الظِّئْرُ: المُرْضِعَةُ غير ولدها. انظر النهاية (3/ 140).(3) قال الإمام النووي في شرح مسلم (1/ 187): مُنْتَقِعُ اللون: أي مُتَغَيِّر اللون
قَالَ أنَسٌ: وقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ المَخِيطِ فِي صَدْرِهِ (1).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: والحِكْمَةُ مِنْ شَقِّ صَدْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ صَغِيرٌ: نَزْعُ العَلَقَةِ السَّوْدَاءَ التِي مِنْ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْ كُلِّ بَشَرٍ، ثُمَّ إِخْرَاجُهَا بَعْدَ خَلْقِهَا كَرَامَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى مَزِيدٍ مِنَ الرِّفْعَةِ وَالكَرَامَةِ، وبِنَزْعِهَا مِنْهُ نَشَأَ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى أَكْمَلِ الأَحْوَالِ مِنَ العِصْمَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ (2).
عُمُرُ رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عِنْدَمَا شُقَّ صَدْرُهُ:
ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَنَّ عُمُرَ رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عِنْدَمَا شُقَّ صَدْرُهُ الشَّرِيفُ، ابْنُ سَنَتَيْنِ، ولَفْظُهُ: قالَتْ حَلِيمَةُ: فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا (3).
قَالَ الزَّرْقَانِيُّ في شَرْحِ المَوَاهِبِ: والرَّاجِحُ أَنَّ شَقَّ صَدْرِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ فِي
المراجع
(1) أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – باب الإسراء برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السموات – رقم الحديث (162) (261).(2) انظر فتح الباري (7/ 604).(3) استَجْفَرَ الصَّبِيُّ: إذا قَوِي على الأكل، وأصله في أوْلَادِ المَعْزِ إذا بلغَ أربعةَ أشْهُرٍ، وفُصِل عن أمِّهِ، وأخذ في الرعي، قيل له: جَفْر. انظر النهاية (1/ 268). وانظر الخبر في سيرة ابن هشام (1/ 201).
الرَّابِعَةِ، كمَا جَزَمَ بهِ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ في نَظْمِ السِّيرَةِ (1)، وتِلْمِيذُهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في سِيرَتِهِ، وهِيَ صَغِيرَةٌ مُفِيدَةٌ (2).
تَكْرَارُ شَقِّ الصَّدْرِ:
وقَدْ تَكَرَّرَ شَقُّ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَيْرَ هَذِهِ المَرَّةِ، فَمِنْهَا:
المَرَّةُ الثَّانِيَةُ: وهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ -صلى اللَّه عليه وسلم-:
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي اللَّه عنه-: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- كَانَ جَرِيئًا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْهَا غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَوَّلُ مَا رَأَيْتَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ؟
فَاسْتَوَى رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَالِسًا، فَقَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ أبَا هُرَيْرَةَ، إنِّي لَفِي صَحْرَاءٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وأشْهُرٍ، وَإِذَا بِكَلَامٍ فَوْقَ رَأْسِي، وإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ لِرَجُلٍ: أهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَقْبَلَانِي بِوُجُوهٍ لَمْ أَرَهَا لِخَلْقٍ قَطُّ، وأَرْوَاحٍ لَمْ أَجِدْهَا مِنْ خَلْقٍ قَطُّ، وثِيَابٍ لَمْ أَرَهَا عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَأَقْبَلَا إِلَيَّ يَمْشِيَانِ، حَتَّى أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَضُدِي (3)، لَا أَجِدُ لِأَخْذِهِمَا مَسًّا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
المراجع
(1) ولفظهُ: أَقامَ في سَعْدِ بنِ بَكْر عِندَهَا ... أَربعةً سنينَ تَجْنِي سَعْدَهَا وَحينَ شَقَ صَدَرهُ جِبريلُ ... خَافَتْ عَليهِ حَدثًا يَؤُولُ(2) انظر شرح المواهب (1/ 282).(3) العَضُدُ: ما بين الكتف والمرفق. انظر النهاية (3/ 228)
لِصَاحِبِهِ: افْلُقْ (1) صَدْرَهْ، فَهَوَى أَحَدُهُمَا إِلَى صَدْرِي، فَفَلَقَهَا فِيمَا أَرَى بِلَا دَمٍ وَلَا وَجَعٍ، فَقَالَ لَهُ: أَخْرِجْ الغِلَّ والحَسَدَ، فأخْرَجَ شَيْئًا كَهَيْئَةِ العَلَقَةِ، ثُمَّ نَبَذَهَا فَطَرَحَهَا، فقَالَ لَهُ: أَدْخِلِ الرَّأْفَةَ والرَّحْمَةَ، فَإِذَا مِثْلُ الذِي أَخْرَجَ يُشْبِهُ الفِضَّةَ، ثُمَّ هَزَّ إبْهَامَ رِجْلِيَ اليُمْنَى، فَقَالَ: اغْدُ وَاسْلَمْ، فَرَجَعْتُ بِهَا أَغْدُو بِهِ رِقَّةً عَلَى الصَّغِيرِ ورَحْمَةً لِلْكَبِيرِ" (2).
المَرَّةُ الثَّالِثَةُ: عِنْدَ المَبْعَثِ:
روَى الطَّيَالِسِيُّ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . هَبَطَ جِبْرِيلُ عليهِ السَّلامُ إِلَى الأَرْضِ، فَسَلَقَنِي لِحَلَاوَةِ القَفَا (3)، وشَقَّ عَنْ بَطْنِي، فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ أعَادَهُ فِيهِ، ثُمَّ كَفَأَنِي كَمَا يَكْفَأُ الإِنَاءَ، ثُمَّ خَتَمَ فِي ظَهْرِي حَتَّى وَجَدْتُ مَسَّ الخَاتَمِ، ثُمَّ قَالَ لِي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، ولَمْ أَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ" (4).
المَرَّةُ الرَّابِعَةُ: عِنْدَ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ:
رَوَى الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وأنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَليهِ السَّلامُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا
المراجع
(1) الفَلْقُ: الشَّقُّ. انظر النهاية (3/ 423).(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده – رقم الحديث (21261).(3) سَلَقَنِي لِحَلَاوَةِ القَفَا: أي أضْجَعَني على وسط القَفَا، لم يَمِلْ بي إلى أحَدِ الجَانِبَيْنِ. انظر النهاية (1/ 418).(4) أخرجه الطيالسي في مسنده – رقم الحديث (1643)
فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ. . ." وذَكَرَ حَدِيثَ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ (1).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ عِنْدَ إِرَادَةِ العُرُوجِ بِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى السَّمَاءِ لِيَتَأَهَّبَ لِلْمُنَاجَاةِ (2).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وجَمِيعُ مَا وَرَدَ فِي شَقِّ الصَّدْرِ، واسْتِخْرَاجِ القَلْبِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ مِمَّا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ دُونَ التَّعَرُّضِ لِصَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ لِصَلَاحِيَةِ القُدْرَةِ، فَلَا يَسْتَحِيلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (3).
المراجع
(1) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الصلاة – باب كيف فُرضت الصلوات في الإسراء؟ - رقم الحديث (349) – ومسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – باب الإسراء برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السماوات – رقم الحديث (163). ورواه البخاري في صحيحه من طريق مالك بن صعصعة -رضي اللَّه عنه- كتاب مناقب الأنصار – باب المعراج – رقم الحديث (3887) – ومسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – باب الإسراء برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السماوات – رقم الحديث (164).(2) انظر فتح الباري (7/ 604).(3) انظر فتح الباري (7/ 605).