الحديث الثالث

الحديث الثالث
36 0

الوصف

الْحَدِيثِ الثَّالِثِ

عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "بُني الْإِسْلَامِ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّه ، وأنَّ محمداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وحجِّ الْبَيْت ، وَصَوْم رمضان"

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .


شرح الحديث

١- قَوْلُه : "بُني الْإِسْلَامِ عَلَى خمس" : فِيهِ بَيَانُ عِظَمِ شَأْنِ هَذِهِ الْخَمْسِ ، وأنَّ الْإِسْلَام مبنيٌّ عَلَيْهَا ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ معنويٌّ بِالْبِنَاء الْحِسِّيّ ، فَكَمَا أنَّ الْبُنْيَان الْحِسِّيّ لَا يَقُومُ إلاَّ عَلَى أعمدته ، فَكَذَلِك الْإِسْلَام إنَّما يَقُومُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ لِكَوْنِهَا الْأَسَاس لِغَيْرِهَا ، وَمَا سِوَاهَا فإنَّه يَكُون تابعاً لَهَا .

٢ -أَوْرَد النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَهُوَ مشتملٌ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَيَانِ أهميَّة هَذِهِ الْخَمْسِ ، وأنَّها الْأَسَاس الَّذِي بُني عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ، فَفِيهِ مَعْنَى زَائِدٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ .

٣ -هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ الَّتِي بُني عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ ، أَوَّلُهَا الشَّهَادَتَان ، وَهُمَا أسُّ الأسُس ، وَبَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا تَابِعٌ لَهَا ، فَلَا تَنْفَع هَذِهِ الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ إذَا لَمْ تَكُنْ مبنيَّةً عَلَى هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْن ، وَهُمَا متلازمتان ، لَا بدَّ مِنْ شَهَادَةِ أنَّ محمداً رَسُولُ اللَّهِ مَعَ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّه ، وَمُقْتَضَى شَهَادَة (أن لَا إلَهَ إلاَّ الله) ألاَّ يُعبد إلاَّ اللَّه ، وَمُقْتَضَى شَهَادَة "أنَّ محمداً رَسُول الله" أَنْ تَكُونَ العبادةُ وفقاً لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَان أَصْلَان لَا بدَّ مِنْهُمَا فِي قَبُولِ أيِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْإِنْسَان ، فَلَا بدَّ مِن تَجْرِيد الإِخْلاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَلَا بدَّ مِن تَجْرِيد الْمُتَابَعَة لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

 

٤ -أهمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ ، وَقَدْ وَصَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّها عمودُ الْإِسْلَام ، كَمَا فِي حَدِيثِ وصيَّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ ، وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ ، وَأَخْبَر أنَّها آخِرِ مَا يُفقد مِن الدِّين ، وأوَّل مَا يُحاسَب عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِقَامَتِهَا تَكُونُ عَلَى حَالَتَيْن : إحْدَاهُمَا وَاجِبَةٌ ، وَهُو أَدَاؤُهَا عَلَى أقلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ فِعْلُ الْوَاجِبِ وَتَبَرَّأ بِه الذِّمَّة ، ومستحبَّة ، وَهُو تَكْمِيلِهَا وتتميمها بِالْإِتْيَان بكلِّ مَا هُوَ مستحبٌّ فِيهَا .

٥ -الزَّكَاةُ هِيَ قَرِينَةٌ الصَّلَاةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : { َإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } وَهِي عبادةٌ مَالِيَّة نَفْعُهَا متعدٍّ ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءَ عَلَى وَجْهِ يَنْفَع الْفَقِيرِ وَلَا يضرُّ الغنيَّ ؛ لأنَّها شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ مَالِ كَثِيرٌ .

٦ -صومُ رَمَضَان عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، وَهِي سرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ ربِّه ، لَا يطَّلع عَلَيْه إلاَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؛ لأنَّ مِنْ النَّاسِ مَن يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مفطراً وغيرُه يظنُّ أنَّه صَائِمٌ ، وَقَدْ يَكُونُ الإنسانُ صائماً فِي نَفْلٍ وغيرُه يظنُّ أنَّه مُفطر ، وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أنَّ الإنسانَ يُجازَى عَلَى عَمَلِهِ ، الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : "إلاَّ الصَّوْم فإنَّه لِي ، وَأَنَا أَجْزِي به"رواه الْبُخَارِيّ (١٨٩٤) ، وَمُسْلِمٌ (١٦٤) ، أي: بغير حساب، والأعمال كلُّها لله عزَّ وجلَّ، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، وإنَّما خُصَّ الصوم في هذا الحديث بأنَّه لله لِمَا فيه من خفاء هذه العبادة، وأنَّه لا يطَّلع عليها إلاَّ الله.

٧ -حجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ عُبَادَة ماليَّة بَدَنِيَّةٌ ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ فِي الْعُمْرِ مرَّة وَاحِدَة ، وبيَّن النَّبيُّ فضلَها بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَن حجَّ هَذَا البيتَ فلَم يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّه" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (١٨٢٠) ، وَمُسْلِمٌ (١٣٥٠) ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "العمرة إلَى الْعُمْرَةِ كفَّارة لِما بَيْنَهُمَا ، والحجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجنَّة" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٣٤٩) .

٨ -هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ مرتَّبة حَسَب أهميَّتها ، وبدىء فِيهَا بِالشَّهَادَتَيْنِ اللَّتين هُمَا أَسَاس لكلِّ عَمِل يُتقرَّب بِهِ إلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ الَّتِي تتكرَّر فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مرَّات ، فَهِيَ صِلَةٌ وَثِيقَة بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ ربِّه ، ثُمَّ الزَّكَاةُ الَّتِي تَجِبُ فِي الْمَالِ إذَا مَضَى عَلَيْهِ حَولٌ ؛ لأنَّ نفعَها متعدٍّ ، ثُمَّ الصِّيَامَ الَّذِي يَجِبُ شهراً فِي السَّنَةِ ، وَهُوَ عِبَادَةٌ بدنيَّة نَفْعُهَا غَيْر متعدٍّ ، ثُمَّ الْحَجُّ الَّذِي لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلاَّ مرَّة وَاحِدَة .

٩ -وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حدَّث بِالْحَدِيث عِنْدَمَا سَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ : أَلاَ تَغْزُو ؟ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ ، وَفِيه الْإِشَارَةُ إلَى أنَّ الْجِهَاد لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، وَذَلِك أنَّ هَذِهِ الْخَمْسِ لَازِمَةٌ بِاسْتِمْرَار لكلِّ مكلَّف ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ ، فإنَّه فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَكُونُ فِي كلِّ وَقْت .

مِمَّا يُستفاد مِنْ الْحَدِيثِ :

١ -بَيَان أهميَّة هَذِهِ الْخَمْسِ لِكَوْن الْإِسْلَام بُني عَلَيْهَا .

٢ -تَشْبِيهٌ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بالحسيَّة لتقريرها فِي الْأَذْهَانِ .

٣ -الْبَدْء بالأهمِّ فَالْأَهَمّ .

٤ -أنَّ الشَّهَادَتَيْن أَسَاس فِي نَفْسِهِمَا ، وَهُمَا أَسَاس لِغَيْرِهِمَا ، فَلَا يُقبل عَمِل إلاَّ إذَا بُني عَلَيْهِمَا .

٥ -تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ ؛ لأنَّها صِلَة وَثِيقَة بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ ربِّه .

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد