الحديث الخامس

الحديث الخامس
38 0

الوصف

الْحَدِيثِ الْخَامِسَ

عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدٍ اللَّهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَن أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ ردٌّ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : "مَن عَمِل عملاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ ردٌّ" .

شرح الحديث

١ -هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ فِي وَزْنِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ ، وأنَّه لَا يُعتدُّ بِهَا إلاَّ إذَا كَانَتْ مُوَافَقَة لِلشَّرْع ، كَمَا أنَّ حَدِيث "إنَّما الْأَعْمَال بالنيات" أصلٌ فِي الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَة ، وأنَّ كلّ عملٍ يتقرّب فِيهِ إلَى اللَّهِ لَا بدَّ أَنْ يَكُونَ خالصاً لِلَّه ، وَأَنْ يَكُونَ معتبراً بنيّته .

٢ -إذَا فُعلت الْعِبَادَات كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، إذَا فُعلت عَلَى خِلَافِ الشَّرْع فإنَّها تَكُون مَرْدُودَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ ، وأنَّ الْمَأْخُوذ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَجِبُ ردّه عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُملك ، ويدلُّ لِذَلِك قصةُ العسيف الَّذِي قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيه : "أمَّا الْوَلِيدَة وَالْغَنَم فردٌّ عليك" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (٢٦٩٥) وَمُسْلِمٌ (١٦٩٧) .

٣ -ويدلُّ الحديثُ عَلَى أنَّ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ ، وَصَاحِبُهَا مُسْتَحِقٌّ لِلْوَعِيد ، فَقَدْ قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ : "من أَحْدَثَ فِيهَا حدَثاً أَوْ آوَى محدثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أجمعين" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (١٨٧٠) وَمُسْلِمٌ (١٣٦٦) .

٤ -الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ أعمّ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ ؛ لأنّها تَشْمَل مَنْ عَمِلَ الْبِدْعَة ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُحْدَثُ لَهَا أَوْ مسبوقاً إلَى أَحْداثِها وَتَابَع مَنْ أَحْدَثَهَا .

٥ -مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ : "ردّ" أَي مردودٌ عَلَيْه ، وَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ ، مِثْل : خَلْق بِمَعْنَى مَخْلُوق ، ونَسْخ بِمَعْنَى مَنْسُوخٌ ، وَالْمَعْنَى : فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ .

٦ -لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَدِيثِ مَا كَانَ مِنْ الْمَصَالِحِ فِي حِفْظِ الدِّينِ ، أَو موصلاً إلَى فَهْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ، كَجَمْع الْقُرْآنِ فِي الْمَصَاحِفِ ، وَتَدْوِين عُلُوم اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .

٧ -الْحَدِيث يدلّ بِإِطْلَاقِه عَلَى ردِّ كلِّ عملٍ مخالفٍ لِلشَّرْع ، وَلَوْ كَانَ قصدُ صَاحِبِه حسناً ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قصّة الصَّحَابِيِّ الَّذِي ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ، وَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " شاتُك شَاة لحم" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (٩٥٥) وَمُسْلِمٌ (١٩٦١) .

٨ -هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى أنَّ كلَّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّارِعُ فَهُوَ مَرْدُودٌ ، وَيَدُلّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أنَّ كلَّ عَمَلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ فَهُوَ غَيْرُ مَرْدُودٍ ، وَالْمَعْنَى أنَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ جارياً تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ موافقاً لَهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ ، وَمَنْ كَانَ خارجاً عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ .

مِمَّا يُستفاد مِنْ الْحَدِيثِ :

١ -تَحْرِيم الِابْتِدَاعُ فِي الدِّينِ .

٢ -أنَّ الْعَمَل الْمَبْنِيّ عَلَى بِدْعَةٍ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ .

٣ -أنَّ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ .

٤ -أنَّ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إذَا أُتي بِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ، كَالتَّنَفُّل فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِغَيْرِ سَبَبٍ ، وَصِيَامُ يَوْمِ الْعِيدِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فإنَّه بَاطِلٌ لَا يُعتدُّ بِه .

٥ -أنَّ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُغيّر مَا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ ؛ لِقَوْلِه : "ليس عَلَيْه أمرنا" .

٦ -أنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ بَاطِلٌ ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهِ مُسْتَحَقٌّ الرَّدّ ، كَمَا فِي حَدِيثِ العسيف .

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد